امتلاكنا لمعانٍ قيم تمنحنا الشعور بالأمان والسلام الداخلي، وتمكننا من تعزيز الانتماء لذاتٍ سوية، تبحث عن مداد الأمل، وترتقي للمعنى الذي يربطها بالآخرين، يُعبر عن ماهية الشغف، وهنا نرى صورة القلب الممتلئ بالمودة، وحميمية ودفء اللقاء، بالطبع لا يخفي الحنين والحنان، ولا يضمر الانجذاب، كونه يقوم على لغة الوفاء، ويزداد خفقان الفؤاد عن رؤية من يعشق؛ إنها ترجمات أحاسيس تتملك الإنسان المتأثر بمحيطه؛ إذ يبدو في شجنٍ عندما يرى الدموع تنهمر، والابتسامة تتوزع على ملامح الوجه، ويروق وجدانه على نغم أصيل وفن راقي.
بصيرة الشغف في عيون تتجه صوب الجمال، وتتبع تفاصيله؛ لترتوي، وتندهش، وتنبهر، بما يُسرُّ الجفون، ويجذب النفوس، ويوقظ الانبهار في القلوب؛ فتصبح خبايا الجزئيات محل اهتمام الإنسان، وهنا تطول النظرات، ويضحى الجمال مقر البصر، وتزاحم المشاعر مكنون العاطفة؛ حينئذ ندرك ماهية الدفء، ونقدر أهمية الانفعال، وتزداد الحيوية الباعثة على صور الفرح المتباينة فيما بيننا؛ فنرصد اختلاف الشوق والانجراف من شخص لآخر؛ لكن فلسفة شغف اللقاء تبقى جامعة، مؤكدة على ماهية الوصال بصورة تتسم بالعمق؛ حيث التقارب الذي يحد من التوتر، ويعزز الطمأنينة، ويريح ذات المشتاق.
الشغف يرفع من معدلات جاهزية الحب بمرور الوقت؛ فيخلق حالة من الإثارة والبهجة المدعومة بطاقة الانتباه، تجاه كل ما يدخل السرور على الآخر؛ فيزداد القرب، وتبدو النظرة تلو الأخرى مشبعة بنبض الحياة ووهجها؛ فلا يعرف السكون للعلاقة منزلةً؛ لكن التجديد لغة مشتركة تدخل السرور وتزيد من الحيوية، وتمنح فرصة لغذاء الأرواح؛ حينئذ ندرك الصورة الحقيقية للعاطفة، وهنا نقطة التحول الرئيسة، التي تزيدنا قوة، وتسهم في صفاء الوجدان؛ ومن ثم نصل لمراحل العطاء لكنه غير متكلف؛ إذ يصير عادة نتذوق من خلاله لذةً يبقى مدادها.
تعالوا بنا نحاول بصدق تفجير ينابيع الود والمحبة، ونحاول خلق لحظات الصفاء، في خضم شغف يقوم على إرادة النقاء؛ فنرى الخطأ ذلةً، يسهل إصلاحها بآليات التقويم اللينة، ونرى التجاوز حالة طارئة، تنتهي سريعًا ونستبدلها بفقه الحدث؛ حيث استكمال الرحلة بمبدأ الثبات، لا بلغة الضغط والسيطرة، وهنا لا تتوه أحلامنا، وتتشتت عواطفنا؛ لكن نحول مجريات الأمور لتصبح طريقًا للسعادة، الضامنة لإيجاد الذات، والحافظة للحقوق، والمبرهنة عن مكنون الواجبات؛ ومن ثم نعشق لغة التبادل، المفعمة بفيض الفضيلة، التي دومًا تجعلنا نتغافل ونتجاوز عن هنات تعكر الصفو إذا ما وقفنا عندها.
ندرك أن حماسة الشغف تحفزنا نحو القرب، وتحثنا على بذل الجهد الحميد؛ من أجل أن نشعر الآخر بالقبول، ونخلق لديه شعور بالراحة، ونفتح له طاقة الأمل، ونسمح له بطلب مزيد من الأمنيات والتمنيات، وهنا نكون قد عظمنا من شجرة العطاء، الدالة على الحب والتقدير؛ لكن ينبغي أن نحذر من جفاء البعد، الذي يؤدي إلى انقطاع تغذية المشاعر، ونخاطر بتقديم الزيف، المؤدي إلى تكوين حالة غير سوية، تبدو ملامحها في قسوة القلوب؛ لذا لا مناص عن رقة التعامل، المولدة لمشاعر الحنان، والملامسة لطيف روح تبحث عن الأمان، وترغب في الاستقرار، وتسعى لجمال الإحساس بالعاطفة.
جمال الشغف نحصده في ممارسات تنم عن رقي الوجدان؛ حيث الصمت أثناء العاصفة، والاعتراف بالخطأ عند التعثر والإخفاق، وسرعة الاعتذار حين الوقوع في مسار الخطأ، وتضميد الجراح في لحظة الشعور بالألم، والتماس العذر إذا لم يكن التوفيق حليفًا، أو يصعب الوفاء بوعد وعهد قطعناه على أنفسنا؛ إنها حالة تدل على الثبات، ونية الإخلاص، وطهارة القلب، والرغبة الجامحة نحو استمرارية الود، والبعد عن شتى مسببات الفراق، وهنا يصير الولع والاشتياق مرممين لجروح الزمن.
في نهاية حديثي المقتضب، أود أن أؤكد على أن الشغف هبة من الله لبني البشر؛ كي يمنحنا طاقة العطاء، ولذة البقاء، وأمل مستقبل مشرق؛ لذا يفضل أن نستثمره في إيقاظ ما لدينا من أحاسيس، نبلغ بها مستويات الجمال، التي تشعل فينا الدهشة، وتجعل لحظات الحياة لها معنى، والإيمان بالتطلع نحو الأفضل سمة لا تفارقنا؛ ومن ثم لا نتوقف عن محاولات صادقة، تسبب لنا السعادة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الشغف