في كل حكاية نسمعها وفي كل موقف نمر به هناك دائما جانب اخر لا نراه من الوهلة الأولى. اعتدنا ان نحكم على الظواهر ونبني تصوراتنا على ما يظهر امامنا فقط، فنسمع جزءا من القصة ونكمل الباقي بخيالنا، او نرى موقفا في لحظة عابرة ونظن اننا فهمنا الحقيقة كاملة. لكن الحقيقة في اغلب الاحيان تسكن في الجانب الاخر الذي يغيب عنا.
الجانب الاخر هو ذلك الجزء المخفي الذي لا يظهر الا لمن يقترب، لمن يسأل، ولمن يحاول ان يفهم قبل ان يطلق الحكم.
قد ترى شخصا ناجحا وتظن ان طريقه كان سهلا، بينما يخفي وراء ابتسامته سنوات من التعب والسهر والقلق.
وقد ترى شخصا غاضبا او منفعلا فتظنه سيء الطباع، بينما يخفي وراء انفعاله هما ثقيلا او جرحا قديما لا يعرفه احد.
في حياتنا اليومية ننسى أحيانا ان لكل شخص قصة، ولكل قصة ظروف، ولكل ظرف رواية أخرى لم ترو بعد. لذلك يصبح التعجل في الحكم واحدا من اكتر الاخطاء التي تجعل العلاقات اصعب والمواقف اكثر تعقيدا. لو اعطينا انفسنا فرصة لنرى ما وراء المشهد الظاهر لادركنا ان الناس لا تتحرك في الفراغ وان لكل تصرف اسبابا قد نعرفها وقد تظل مجهولة.
الجانب الاخر يعلمنا أيضا ان ما نراه في أنفسنا ليس دائما ما يراه الاخرون. قد نرى في داخلنا ضعفا ونقصا بينما يرى فينا غيرنا قوة وصبرا. وقد نعتقد اننا نقف وحدنا بينما هناك من يساندنا بصمت ولا ننتبه اليه. الجانب الاخر ليس مجرد مساحة غامضة، بل هو دعوة الى التفكير الهادئ والتروي قبل اتخاذ موقف.
وعندما نفهم هذا الجانب ونمنح انفسنا فرصة للنظر بعمق، سنجد ان كثيرا من الخلافات يمكن تجنبها، وكثيرا من الاحكام يمكن تعديلها، وان اغلب المواقف لها معنى أوسع مما نتصور. العالم ليس ابيض او اسود، والناس ليسوا طيبين بالكامل او سيئين بالكامل، بل لكل منهم جانب ظاهر وجانب اخر ينتظر من يفهمه.
في النهاية يبقى الجانب الآخر تذكرة بسيطة تقول لنا: قبل ان تحكم، حاول ان ترى الصورة كاملة.