قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مونيكا وليم تكتب: تعقيدات المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. معوقات إسرائيلية وصراعات داخلية

مونيكا وليم
مونيكا وليم

تشهد المرحلة الثانية من اتفاق غزة واحدة من أكثر اللحظات تعقيداً في مسار الصراع، ليس فقط بسبب التعقيدات الميدانية والإنسانية، بل نتيجة الانقسامات العميقة داخل المنظومة السياسية الإسرائيلية، والتوجهات الأمريكية التي تسعى إلى إعادة تشكيل الواقع داخل القطاع عبر «منطقة خضراء» مؤقتة، على غرار نماذج شهدتها مناطق نزاعات أخرى. ومن شأن هذه التفاعلات المتزامنة أن تخلق واقعًا معطّلاً للاتفاق، وأن تفتح الباب أمام سيناريوهات تكرس الانقسام وتعقد مستقبل السلام في غزة.
وعند محاولة سرد هذه التعقيدات، فالبداية جاءت مع ما كشفته قناة «12» الإسرائيلية حول اعتراض وزير الطاقة على تشكيل اللجنة المكلفة بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وتصويته ضدها يوم 20 نوفمبر بسبب عدم إدراجه ضمن عضويتها. هذا الاعتراض لم يكن حادثًا معزولاً، بل يعكس حالة من التوتر بين وزارات الخارجية والأمن والمالية، التي يمسك بمفاصلها شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وبالنظر إلي هذا التكوين المعقد؛ فالانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية، ووجود شخصيات مثل بن غفير الذي دفع لتسليح المستوطنين في الضفة وسموتريتش المهندس الفكري لمشروع E1– يشيران إلى أن القرارات المتعلقة بغزة لن تكون خالية من الأجندات الأيديولوجية. ومع سعي إسرائيل لاستثمار الضبابية في الاتفاق، وتراجع الاهتمام الأمريكي المرحلي، يصبح تنفيذ المرحلة الثانية مهددًا بالتعطيل، أو إعادة التأويل، أو حتى الإلغاء التدريجي ويزيد من تعقيد المشهد أن وزير الدفاع نفسه على الرغم من حساسية الملف لم يمثل داخل المجلس المصغر، وهو ما يؤكد الطرح المتعلق بجعل القرارات الأمنية رهينة التجاذبات السياسية وبالتالي فإن بنية اتخاذ القرار تبدو غير راغبة على إدارة مرحلة يفترض أن تكون الأكثر حساسية منذ وقف إطلاق النار.
وهنا يبرز تساؤل مفصلي حول المستقبل ومصير الاتفاق في ظل هذه التعقيدات المتصاعدة؟ 
ولا يمكن فصل هذا الموقف الديناميكي عن الحسابات الانتخابية القريبة؛ فجزء من اليمين الإسرائيلي يحاول توظيف ملف غزة في الصراع السياسي الداخلي، سواء من خلال عرقلة تنفيذ الاتفاق أو طرح بدائل أكثر تشددًا، إلي جانب سعي نتنياهو إلي ربما توريط الأعضاء الأبرز في اليمين المتطرف بعضوية اللجنة وذلك بهدف نقل الخطاب المتشدد إلى طاولة القرار، بما يسمح بتعطيل الإجراءات، وخلق سردية مفاداها إن إسرائيل غير مستعدة للتنازل، أو لن تسمح بعودة حماس بأي شكل. 
هذا إلي جانب تشكيل لجنة مستقلة خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر 2025 للتحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر ، وذلك نتيجة تقاطع الحسابات السياسية مع المسؤوليات الأمنية. ويبدو واضحًا أن إسرائيل تستفيد من المساحات الرمادية في الاتفاق للتهرب من الالتزامات الملزمة، وإعادة تشكيل المرحلة الثانية بطريقة تناسب أهدافها الميدانية والسياسية، خاصة مع الانشغال الأمريكي المتزايد بملف روسيا، مما يمنح إسرائيل هامشًا أكبر للمماطلة.

تنعكس هذه الاستراتيجية على الأرض عبر خلق ظروف معطّلة عمداً: قصف متكرر قرب الخط الاصفر، عرقلة جهود إعادة الإعمار، ومنع تحسين الوضع الإنساني في غزة. المقاربة الإسرائيلية تبدو متعمدة لخلق واقع معيشي قاسي، بحيث لا تكون غزة قادرة على التعافي، ولا على تشكيل بيئة ضاغطة سياسيًا على إسرائيل. هذا النهج ينسجم مع خطاب اليمين الذي يرى أن «الضيق الإنساني هو وسيلة ضغط»، وليس عنصرًا يجب معالجته.
لكن اللافت أن التقارير الصحفية الغربية –ومنها التقارير الأخيرة التي تتناول خطة «المنطقة الخضراء» التي تدفع بها واشنطن تكشف عن توجه جديد لدى الإدارة الأمريكية يتمثل في إعادة توزيع السكان الفلسطينيين داخل غزة، عبر بناء مجتمعات مؤقتة داخل مناطق تسيطر عليها إسرائيل، بهدف تقليل تأثير حماس على المدنيين. وتشير هذه التقارير إلى وجود فرق هندسية أمريكية في مركز التنسيق المدني العسكري جنوب إسرائيل، تعمل على تخطيط هذه التجمعات، إضافة إلى إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة، تمهيدًا لإقامة مجتمعات تقدم السكن والتعليم والرعاية الصحية للنازحين.
إذا صحت هذه التقارير، فإننا أمام مقاربة أمريكية تعترف عمليًا بصعوبة تفكيك سلطة حماس بسرعة، وتحاول خلق نموذج «آمن» لمرحلة انتقالية، يمكن لاحقًا أن يكون مدخلاً لإعادة الإعمار. غير أن لهذه الخطوة تداعيات خطيرة، أبرزها أنها قد تؤدي إلى تقسيم غزة فعليًا: قطاع غربي مكتظ تحت سيطرة حماس، وقطاع شرقي خاضع لرقابة إسرائيلية. وفي الحقيقة هذا السيناريو يواجه معارضة عربية واضحة.
إسرائيل من جانبها ترى في هذا النموذج فرصة لتجنب الالتزامات الكاملة للمرحلة الثانية من الاتفاق، واستخدامه كأداة ضغط إضافية على حماس وعلى الأطراف الإقليمية، خاصة أنها تبحث عن مخارج تفاوضية تضمن تحسين وضعها السياسي الداخلي، والحفاظ على حالة السيطرة الميدانية دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأمريكية.
ختاما، تحاول إسرائيل والولايات المتحدة إعادة هندسة واقع غزة، بينما يقف الإقليم أمام تحدي منع أي سيناريو يكرّس التقسيم أو يفُتح الباب أمام تهجير غير مباشر. ومن ثمّ، فإن استشراف المستقبل يتطلب متابعة دقيقة لما يجري في غرف صنع القرار الإسرائيلية، وما تخطط له واشنطن على الأرض، لأن المرحلة المقبلة ستحدد ليس فقط مصير الاتفاق، بل شكل غزة نفسها خلال السنوات القادمة.