في خطوة تعكس عمق العلاقات المصرية الأسترالية وتزايد الاهتمام العالمي بالتراث المصري، أعلنت القاهرة وكانبرا عن اتفاق مهم يقضي بإعادة 17 قطعة أثرية فرعونية نادرة إلى موطنها الأصلي. هذه الخطوة جاءت ثمرة تعاون دبلوماسي امتد لسنوات ومتابعة دقيقة داخل أروقة القضاء الأسترالي، وارتبطت بحدث بارز وهو مرور 75 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وبينما يعود التراث إلى موطنه، تتوسع آفاق التعاون لتشمل الأمن السيبراني، مكافحة الجريمة المنظمة، وتسهيل انتقال العمالة المصرية المؤهلة إلى السوق الأسترالية.
عودة تاريخ من قلب كانبرا
شهدت العاصمة الأسترالية كانبرا لقاءً رفيع المستوى جمع الوزير الأسترالي توني برك، المسؤول عن الداخلية والهجرة والفنون والأمن السيبراني، مع السفير نبيل حبشي نائب وزير الخارجية المصري لشؤون الهجرة والمصريين بالخارج، وبحضور السفير هاني ناجي سفير مصر لدى أستراليا.
هذا اللقاء، الذي جاء ضمن زيارة رسمية مصرية، شكّل منصة للإعلان الرسمي عن توقيع المستندات الخاصة بإعادة القطع الأثرية إلى القاهرة، وهي قطع تعود إلى فترات متنوعة من الحضارة المصرية القديمة، وتحمل قيمة تاريخية وثقافية كبيرة.
السفير نبيل حبشي أكد عقب اللقاء أن إعادة القطع تأتي في توقيت بالغ الدلالة، ليس فقط بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير، بل أيضًا مع الاحتفال بمرور 75 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مما يعكس عمق الثقة المتبادلة وتلاقي الإرادة السياسية في حماية التراث الإنساني.
مسار قانوني دام ست سنوات
لم تكن رحلة استرداد القطع الأثرية سهلة أو سريعة، فقد بدأت فصولها منذ عام 2019 عندما باشرت السفارة المصرية في كانبرا والقنصلية العامة في سيدني متابعة قضية معقدة أمام القضاء الأسترالي.
القضية كانت تتعلق بقطع أثرية عُثر عليها بحوزة إحدى الشركات الخاصة، قبل أن تصدر المحكمة العليا الأسترالية حكمها في 3 سبتمبر 2025 بالتحفظ عليها وإعادتها إلى مصر.
هذا الحكم أكّد، كما أشار السفير حبشي، التزام أستراليا بمبادئ حماية التراث الثقافي العالمي ومكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار، وهو ما يعد رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بشأن أهمية التنسيق بين الدول لحماية الكنوز الإنسانية من النهب والتهريب.
تعاون ثقافي وتاريخي يتجدد
لم يكن الجانب الأثري وحده محور النقاشات، فقد شدد المسؤولون من الجانبين على أهمية تعزيز التعاون الثقافي بين مصر وأستراليا، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد لدى الأستراليين بالحضارة المصرية القديمة. ومع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير، يتوقع أن يشهد الإقبال الأسترالي على السياحة في مصر ارتفاعًا أكبر، خصوصًا بعد أن سجلت السياحة الأسترالية زيادة بنسبة 11% خلال النصف الأول من العام الجاري.
هذه الزيادة مرجحة للاستمرار مع تعديل إرشادات السفر الأسترالية لمصر وتأكيدها على تحسن الأوضاع السياحية والأمنية.
شراكة رقمية لمواجهة تحديات المستقبل
اللقاء تناول أيضًا ملفات متقدمة تتعلق بالأمن السيبراني ومخاطر الذكاء الاصطناعي، وهي تحديات أصبحت تواجه دول العالم دون حدود. نائب وزير الخارجية المصري عرض رؤية القاهرة حول ضرورة تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه المخاطر، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية المتزايدة وأنماط الجريمة المنظمة والإرهاب الرقمي.
من جانبه، أبدى الوزير الأسترالي اهتمامًا كبيرًا بتوسيع التعاون الثنائي في هذا المجال، مؤكدًا أن الجانبين يمتلكان خبرات متقدمة يمكن أن تتكامل لتطوير آليات أكثر فاعلية لحماية الفضاء الرقمي.
آفاق جديدة للعمالة المصرية في السوق الأسترالية
إلى جانب الملفات السياسية والثقافية، شغل ملف الهجرة والعمالة حيزًا مهمًا من المناقشات، حيث بحث الطرفان سبل إدماج العمالة المصرية ضمن برامج العمالة الموسمية التي تعتمدها الحكومة الأسترالية. ومع تزايد الطلب على العمالة الماهرة في السوق الأسترالية، أكدت كانبرا تقديرها للكوادر المصرية المتميزة بمهاراتها وقدرتها على الاندماج السريع. وتم الاتفاق على المضي قدمًا في وضع الأطر التنظيمية والفنية اللازمة لإطلاق هذا المسار بما يخدم مصالح الطرفين.
الوزير توني برك حرص على الإشادة بالدور المهم الذي تلعبه الجالية المصرية في أستراليا، ووصفها بأنها من أكثر الجاليات التزامًا بالقانون وانخراطًا في المجتمع. وأشار إلى أن العديد من أفراد الجالية يحتلون مواقع مهنية وقيادية مؤثرة، مما يعزز صورة مصر ويفتح أبوابًا واسعة للتعاون في ملفات الهجرة وتنظيم العمالة.
بهذا التطور المهم، تكتب مصر وأستراليا فصلًا جديدًا من العلاقات الثنائية، يجمع بين إعادة كنوز أثرية ثمينة إلى موطنها، وتعزيز التعاون في مجالات الأمن الرقمي والذكاء الاصطناعي، وتوسيع آفاق التنقل والعمل.