شهد اليوم الثلاثاء، فعاليات الجلسة العلمية الخامسة من الندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي -رئيس الجمهورية- وسط حضور دولي واسع من كبار المفتين وعلماء الشريعة والمتخصصين في الشأن الديني من مختلف دول العالم، وذلك تحت عنوان: "الفتوى والقضية الفلسطينية: بين البيان الشرعي والواجب الإنساني".
وخلال فعاليات الجلسة، أثنى الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، على حضور الملتقى، والعلماء حضور الجلسة العلمية الخامسة، ثم انتقل للتعقيب على الأوراق البحثية التي قدمها أساتذة الجلسة وشيوخها.
وقال المفتي: إن البحوث المقدمة بشكل عام تتميز بالمهارة البحثية التي نفتقد إليها في كثير من الأحيان، مشيدًا بدقة الربط بين عنوان الجلسة والأوراق البحثية المشاركة التي قدمها الحضور.
وأضاف أن هذا الارتباط ينبئ بأمرين؛ الأول: تميُّز العرض بما فيه من عمق التحليل ودقة المقارنة وجمال الطرح، لا سيما في هذه القضية المتعلقة بالصهيونية العالمية بجانبيها الشرعي والسياسي، وكذلك الحياتي الواقعي.
والأمر الآخر يتعلق بوجود قاسم مشترك بين جميع الأوراق البحثية المقدمة في تناولها لمركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية كل حر، وليست قضية العرب أو المسلمين فقط.
ومن الناحية التفصيلية، قال: إن بحث الدكتور محمد العزازي، أستاذ ورئيس قسم أصول الفقه بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، والمعنون بـ"الفتوى الشرعية والقضية الفلسطينية بين البيان الشرعي والواجب الإنساني"، اتسم بتقسيمه البارع ووضعِ خطاب يجمع بين الرؤية الشرعية والإنسانية، مُثنيًا على مُقدم الورقة باعتباره شخصية علمية دقيقة وموضوعية.
كما توقَّف المفتي عند الحديث عن "الصهيونية"، لافتًا النظر إلى أن الباحث قصد خلال ورقته إلى التفريق بين اليهودية والصهيونية، وأن ما يصدر عن الصهيونية ليس بالضرورة يمثل كل اليهود.
وحول بحث الدكتور أحمد محمد الصاوي، مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والمعنون بـ "جهود المؤسسات الدينية المصرية في خدمة القضية الفلسطينية: دار الإفتاء المصرية أنموذجًا"، قال رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الباحث حاول تأصيل القضية والربط بينها وبين الواقع الحياتي، وكذلك تسليط الضوء على دور دار الإفتاء المصرية.
وأثنى المفتي على وفاء الباحث بتراث العلماء، مشيرًا في هذا السياق إلى أن دار الإفتاء تشارك في معرض الكتاب القادم بعمل علمي رصين، وهو رسالة دكتوراه تتعلق بالجوانب الفقهية عن الشيخ عبد المجيد سليم البشري، شيخ الأزهر الأسبق، هذا فضلًا عن السعي لإخراج سلسلة "الأعمال الكاملة" اعترافًا بجميل العلماء، وفي هذا جرى إنجاز الجزء الأكبر من أعمال مفتي الديار المصرية الأسبق، الشيخ محمد بخيت المطيعي.
وأبدى مفتي الجمهورية، إعجابه الشديد ببحث الدكتورة رنا عبد الرحمن، مدرس العقيدة والفلسفة المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية لفرع البنات بكفر الشيخ- جامعة الأزهر، المعنون بـ"توظيف الدين في الخطاب اليهودي المعاصر: حول أرض الميعاد".
وقال مفتي الجمهورية: إن الأمة تعاني من فكرة "اختطاف السياسة بالدين" التي يتناولها البحث، وهو أمر واضح في النصوص التوراتية والتلمودية، حيث سعت بعض الجماعات الصهيونية للترويج لأفكار وهمية لا أساس لها مثل "الوعد الإلهي"، و"شعب الله المختار".
ولفت إلى أن الباحثة لم تتوقف عند توظيف الدين من قِبل الساسة والجماعات المتطرفة، لكنها توقفت عند الآلية التي تخص النصوص الدينية والترويج لها وَفْقَ الأهواء، وهو أمر يعزز المعتقدات الفاسدة والأفعال الإجرامية.
كما أثنى رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بالعالم، على بحث الدكتور نجاح عثمان أبو العينين إسماعيل، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة دمياط، والذي جاء تحت عنوان: "دور الفتوى في مواجهة التهجير القسري والالتزام بواجبات حب الوطن"، لا سيما أنه يتعلق بقضية خطيرة ومثيرة للجدل وهي "التهجير".
ولفت مفتي الجمهورية إلى أنَّ مخطط طمس التاريخ والحقيقة والواقع أمر يمكن مجابهته عبر "الوعي" بالقضية الفلسطينية وضرورة دراستها من كافة جوانبها وطرحها على المنصات الرقمية والتعليمية، مشيرًا إلى أن تناول هذه المسألة بهذه الموضوعية يؤكد أننا أمام ورقة بحثية متميزة.
وأخيرًا، أثنى مفتي الجمهورية على بحث الدكتور إبراهيم أحمد محمود، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالزقازيق، المعنون بـ "العلاقة بين الدعوة والفتوى في بيان الواجب الشرعي والواجب الإنساني تجاه القضية الفلسطينية"، وكذلك مسألة الربط بين الفتوى والإفتاء وعلوم الدعوة.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن الخطاب المتعلق بالقضية الفلسطينية ربما يغلب عليه النزعة العاطفية، لكنه يؤكد الترابط في هذه القضية بين الفتوى وعلوم الدعوة، وهو أمر يحمي من التدليس وتجنُّب فَهم الواقع بشكل غير حقيقي.
يُشار إلى أن الندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم تنعقد تحت عنوان: "الفتوى وقضايا الواقع الإنساني: نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة"، خلال يومَي الإثنين والثلاثاء 15–16 ديسمبر 2025 بالقاهرة، بحضور دولي واسع يضم نخبة من كبار المفتين وعلماء الشريعة والخبراء والمتخصصين حول العالم؛ للوقوف على مدى إسهام الفتاوى في تفعيل مؤسسات الزكاة والوقف لمكافحة الفقر، وتحويل العمل الخيري إلى استثمار إنساني عبر دعم المشروعات الصغيرة.

