قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف خلال منشور جديد عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن ربنا سبحانه وتعالى وضَّح وحدَّد ملامح الحلال وملامح الحرام، ثم جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160].
ثم جعل ميزانًا تُقابَل فيه الحسنات بالسيئات، وجعل الحسنات يذهبن السيئات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، كما فتح باب التوبة وباب الاستغفار، وبهذه الطريقة لا يقع الظلم.
وتابع: ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يتصرف في ملكه برحمته، وليس بمحض عدله. ومن الجهل عند بعض الناس أن يقول: «اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك». فهذا جهلٌ بالله، وجهلٌ بالنفس. إن هذا القول يعكس نوعًا من الكِبْر والغطرسة؛ إذ يظن الإنسان أنه لم يقترف خطأً، وهو في قوله هذا متكبر، والنبي ﷺ يقول: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» [صحيح مسلم]. فالكبرياء لله وحده؛ لأنه المستحق لها، كما جاء في الحديث القدسي: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ» [سنن أبي داود].
أما الإنسان، فلا يدرك حتى حجمه المادي؛ فلو تأمل حجمه بالنسبة إلى الكون لأدرك ضعفه. فجسده الذي قد يبلغ طوله مترًا وثمانين سنتيمترًا، ووزنه الذي قد يصل إلى مائة كيلوغرام، ليس إلا هباءً أمام الأرض، وهي هباءٌ أمام السماء الأولى، والسماء الأولى كحلقةٍ في صحراء إذا قورنت بالسماء الثانية. وإذا أدرك الإنسان حجم الكون عرف مقدار نفسه، وعلم أنه لا شيء إلا بالله، وأنه من أضعف المخلوقات في عالم الحيوان جسدًا؛ فالأسد مثلًا قد يفترسه بسهولة.
ومع ذلك، فإن الإنسان مكرَّم ومشرَّف؛ فقد أسجد الله له ملائكته تكريمًا له، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]. فالإنسان مكرَّم بالله، وليس بحجمه ولا بقوته ولا بفعله ولا بعمله. لذا على الإنسان أن يتقي الله، وألا يُقدِم على مثل هذه المجازفات والمخاطرات في القول.
أما قولهم: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فهو كلام من كان في قلبه شكٌّ وريبٌ على مر العصور. إذا جلست مع من غفلوا عن ذكر الله وتوغّلوا في الدنيا، ستجدهم في النهاية في حالة من التيه، لا يعرفون كيف يتكلمون أو كيف يعيشون.
وذكر أنه قد جلس مع كثير من الناس، ومنهم أطباء وعلماء، ووجد أن من أدركتهم الغفلة يقولون مثل هذا الكلام؛ يعيشون حياة الدنيا ظانين أنهم صاروا قادرين عليها، وأنهم يعلمون ما لا يعلمه الآخرون، وأنهم دائمًا يجب أن يكونوا في الصدارة؛ فيتكلفون فوق طاقتهم، ويجترئون على الله، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سبأ: 29]. وهذا الشعور ضربٌ من الكفران والغفلة.
والنبي ﷺ كان دائمًا يخرج نفسه من هذه المنظومة، كما أمره ربه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يونس: 49]. فهو ﷺ لا يدّعي القدرة أو العلم بما هو فوق طاقته، بل يؤكد أن الله وحده هو الضار والنافع، وهو على كل شيء قدير.



