لم يكن تحمّل المرأة للمسؤولية في أي زمن علامة على غياب الرجل، بقدر ما كان انعكاسًا لقوتها وقدرتها على الصمود أمام تغيرات الحياة. غير أن المشهد الاجتماعي اليوم يفرض تساؤلًا مشروعًا: هل تحمّلت المرأة أكثر مما ينبغي، أم أننا أسأنا فهم معنى المسؤولية نفسها؟.
في كثير من البيوت، لم تتقدّم المرأة لتأخذ مكان الرجل، بل تقدّمت لتسد فراغًا فرضته الظروف. فعلت ذلك بدافع الحرص لا التحدي، وباسم الاستقرار لا المنافسة. لكنها حين فعلت، لم تنتبه بعض المجتمعات إلى خطورة تحويل هذا التحمل إلى قاعدة، وكأن الصبر تفويض، وكأن القدرة إذن دائم بالاستمرار دون مشاركة.
المشكلة لم تكن في تحمّل المرأة، بل في الصمت الذي رافق هذا التحمل. فحين تتحمل امرأة مسؤوليات البيت والعمل والتربية وحدها، دون اتفاق أو تقدير أو إعادة ضبط للأدوار، يبدأ الخلل. لا لأن المرأة قوية، بل لأن القوة حين لا تُقابل بوعي، تُستنزف.
غياب الرجل في هذا السياق ليس دائمًا غيابًا جسديًا، بل غيابًا مفاهيميًا. غياب لدورٍ لم يُلغَ، لكنه أُهمل تحت وهم أن “الأمور تسير”. ومع الوقت، تتحول المشاركة إلى انسحاب هادئ، ويتحول الاعتماد إلى عادة، وتصبح المسؤولية عبئًا أحادي الجانب.
وهنا تختل المفاهيم.
فتُفهم الشراكة على أنها تنازل، ويُظن أن قيام المرأة بالدور يُسقط عن الرجل واجبه، ويُربط تحمّل المرأة بالضرورة بتراجع الرجل. بينما الحقيقة أن المسؤولية لا تنتقل تلقائيًا، ولا تسقط لأن غيرك قادر على حملها.
تصحيح المفاهيم لا يبدأ بإعادة المرأة خطوة إلى الوراء، ولا باتهام الرجل جملة واحدة، بل بإعادة تعريف المسؤولية بوصفها التزامًا أخلاقيًا مشتركًا. يبدأ بالاعتراف أن قوة المرأة لا تُعفي الرجل، وأن صمتها لا يعني رضاها، وأن النجاح خارج البيت لا يلغي الاحتياج داخله.
الأسرة لا تُدار بمنطق “من يستطيع أكثر”، بل بمنطق “من يلتزم بحقوق الآخر”. والرجل لا يُقاس حضوره بحجمه المادي فقط، بل بثباته، ومبادرته، وشعوره بالمسؤولية حتى في وجود امرأة قادرة. كما أن المرأة لا تُكرّم حين تُستنزف، بل حين تُشارك دون أن تُحمل فوق طاقتها.
في زمن تتغير فيه الأدوار بسرعة، يصبح الوعي ضرورة. وعيٌ يعلّم أن تحمل المرأة ليس بديلًا عن الرجل، وأن المشاركة لا تعني الغياب، وأن المسؤولية حين تُفهم خطأ، تُهدم البيوت بهدوء.
فحين تتحمّل المرأة،
قد لا يكون الرجل غائبًا…
لكن المفاهيم هي التي تحتاج أن تعود إلى مكانها الصحيح.