يتداول بعض الناس آراءً تزعم أن صيام شهر رجب كاملًا غير جائز شرعًا، بل ويذهب بعضهم إلى القول بأن من يفعل ذلك يقع في الإثم، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة حول الحكم الصحيح في هذه المسألة.
وقد ورد هذا السؤال إلى دار الإفتاء، فجاء الرد موضحًا للحكم الشرعي المدعوم بأقوال العلماء المعتبرين.
أكدت دار الإفتاء أن صيام شهر رجب كاملًا جائز شرعًا ولا حرج فيه على الإطلاق، ولا يأثم من يلتزم بصيامه، وذلك استنادًا إلى عموم الأدلة الواردة في فضل صيام التطوع، حيث لم يرد نص صحيح يمنع صيام رجب كاملًا، كما لم يُنقل عن أحد من علماء الأمة المعتبرين أنه أدخل صيام هذا الشهر ضمن الأيام أو الشهور المكروه صيامها.
وفي هذا السياق، أشار الحافظ ابن الصلاح في فتاويه إلى أن من صام شهر رجب كاملًا لم يُؤثِّمه أحد من علماء الأمة، مما يدل على أن هذا الفعل كان معروفًا ولم يُنكر من أهل العلم الموثوقين.
كما تناول العلامة ابن حجر الهيتمي هذه المسألة بشدة في الفتاوى الفقهية الكبرى، حيث استنكر على من ادعى تحريم صيام رجب أو نهى الناس عنه، واعتبر ذلك جهلًا ومجازفة في حق الشريعة الإسلامية.
وبيّن أن الاستناد إلى بعض الروايات التي تزعم وجود عذاب خاص لصوام رجب هو اعتماد على أحاديث باطلة لا يجوز روايتها، كما أوضح ذلك الإمام ابن الصلاح، المعروف بمكانته العلمية وحفظه للسنة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل نُقلت فتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام في الرد على من منع صيام رجب، حيث أكد أن نذر صيام شهر رجب صحيح وملزم، وأن التقرب إلى الله تعالى بالصيام مشروع ومطلوب.
وبيّن أن من نهى عن صيام رجب إنما صدر نهيه عن جهل بمصادر الأحكام الشرعية، متسائلًا كيف يُنهى عن أمر لم يذكر العلماء كراهته أصلًا في كتبهم.
وأوضح العز بن عبد السلام أن صيام رجب يدخل في عموم النصوص الصحيحة التي رغّبت في الصيام، مستشهدًا بالأحاديث الواردة في فضل هذه العبادة، ومنها ما يبيّن مكانة الصيام عند الله تعالى، وفضله العظيم.
كما أشار إلى أن صيام نبي الله داود عليه السلام كان دون تقييد بزمن معين، ولم يُستثنَ منه شهر رجب أو غيره.
وأكد كذلك أن تعظيم شهر رجب على وجه مشروع لا يُعد تشبهًا بأهل الجاهلية، إذ ليس كل ما كانوا يفعلونه محرمًا، وإنما الممنوع هو ما نهت عنه الشريعة أو خالف أصولها.
وشدد على أن الحق لا يُترك لمجرد أن أهل الباطل فعلوا أمرًا مشابهًا، وأن التقليد في الدين لا يكون إلا لمن عُرف بالعلم والدراية بأحكام الشرع وأدلتها.
وبناءً على ما سبق، يتبين بوضوح أن صيام شهر رجب كاملًا أمر جائز شرعًا، ولا إثم فيه، ومن يفعله طلبًا للأجر والثواب فهو على خير، ولا يصح الالتفات إلى الأقوال التي تمنع ذلك دون دليل معتبر.



