في قلب كل بيت مصري، تظل «حلة الكشري» هي الراعي الرسمي لدفء العائلة ولمتها، حيث يمثل هذا الطبق الشعبي أيقونة للطعام المصري الذي يجمع بين البساطة والغنى في آن واحد.
ولم يعد الكشري مجرد وجبة عابرة، بل أصبح اليوم رمزًا ثقافيًا يمثل مصر أمام العالم، خاصة بعد إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» إدراج الكشري المصري ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025.
يمتاز الكشري بمكوناته البسيطة التي تجمع بين الأرز والمكرونة والعدس والتقلية المقرمشة، مع صلصة الطماطم والدقة المميزة، ما يجعله طبقًا متوازنًا غذائيًا، مشبعًا ومتاحًا لكل فئات المجتمع.

الكشري المصري على قائمة اليونسكو
ونجح هذا الطبق في كسر الحواجز الجغرافية، وأصبح مقصدًا للسياح العرب والأجانب الذين يسعون لتجربة الطعم الأصلي في أحياء مصر الشعبية، حيث يظل مذاق «كشري الشارع» و«كشري ست البيت» في مصر لا يُضاهى.
كاميرا برنامج «الستات مايعرفوش يكدبوا» على قناة سي بي سي رصدت آراء المواطنين والزوار، حيث عبّر أحد السياح المغاربة عن سعادته بتجربة الطبق في مكانه الأصلي قائلاً: «كنا نظن أن الكشري مسجل بالفعل في اليونسكو منذ زمن، فهو طبق عالمي بامتياز ويستحق هذه المكانة».
كما أبدت سائحة أجنبية حماسها الشديد لتناول الكشري في أول زيارة لها للقاهرة، مؤكدة أن نصيحة الجميع لها كانت «لا تغادري مصر دون تجربة الكشري».
رغم محاولات تقليد الطبق في الخارج، يبقى للكشري المصري نكهة خاصة لا يمكن أن توجد خارج مصر، فالمسألة ليست مجرد خلط مكونات، بل توليفة فريدة تجمع بين العدس بجبة، والحمص، والبصل المحمر، وصلصة الطماطم المسبكة، والدقة التي تضفي روحًا مميزة على الطبق.
ومع دخول فصل الشتاء، يزداد الإقبال عليه لما يمنحه من دفء وطاقة، ليؤكد الكشري يوماً بعد يوم أنه ليس مجرد طعام، بل جزء أصيل من الحياة اليومية المصرية.
اختارت وزارة الثقافة المصرية «كشري أبو طارق» للمشاركة في ملف تسجيل الكشري باسم مصر لدى اليونسكو، وهو اعتراف رسمي بدوره كجزء أساسي من الهوية الغذائية والتراث الشعبي المصري.
وأعاد تصنيف الكشري ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي لعام 2025 الضوء على أكلات شعبية أخرى، مثل «الفسيخ»، إذ يأمل الخبراء أن يتم إدراجها هي الأخرى ضمن نفس القائمة مستقبلاً.
وأكد وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو، أن السنوات القادمة ستشهد تسجيل المزيد من العناصر المرتبطة بالممارسات الاجتماعية والثقافية المتوارثة عبر الأجيال، والتي تعكس روح المشاركة والتنوع داخل المجتمع المصري، مؤكدًا أن الكشري يمثل نموذجًا مثاليًا لهذا التراث الحي.
وحسب باحثين، فإن أبرز الأكلات الشعبية المصرية المرشحة لأن تنال نفس تقدير الكشري تتمثل في ثلاث وجبات أساسية:
- الملوخية
- الفول المدمس
- الفسيخ
فالملوخية، التي اكتشفها المصريون القدماء منذ آلاف السنين، كانت تعرف باسم «طعام الملوك» لقيمتها الغذائية العالية وفوائدها الصحية، وتقدم عادة مع الثوم والكزبرة والمرق، وتؤكل مع الخبز. أما الفول المدمس، فقد عرفه المصريون منذ نحو 10 آلاف عام، وكان يقدم قربانًا للآلهة، ويطهى عبر نقع البذور وتركها تنضج لساعات طويلة ثم تقدم مع الزيت الحار أو زيت الليمون والطماطم حسب الرغبة.
أما الفسيخ، فهو عبارة عن أسماك «بوري» يتم تمليحها وتخميرها لفترات طويلة، ويحتفل بها المصريون في عيد شم النسيم، وتكشف النقوش الفرعونية عن تفاصيل صناعته منذ الأسرة الخامسة في القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد.
إدراج الكشري المصري ضمن التراث الثقافي اللامادي يمثل نقطة مضيئة في تاريخ المطبخ الشعبي المصري، ويعكس قدرة الأطباق البسيطة على تجاوز الحدود، لتصبح رمزًا للهوية الوطنية والثقافة المجتمعية التي تجمع بين المذاق، والتاريخ، والدفء العائلي، لتظل مصر فخورة بأكلة تجمعها بالعالم على مائدة واحدة.