قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الدكتورة سعاد العزازي: سلامة الأطفال في المدارس قضية مشتركة لا تقبل الإهمال

العنف ضد الأطفال
العنف ضد الأطفال

لم يعد العنف ضد الأطفال في المدارس أمرًا خفيًا أو حالات فردية معزولة، بل بات ظاهرة مقلقة تتكرر في بعض المدارس الحكومية والخاصة والدولية على حد سواء. 

وتشمل هذه الظاهرة أشكالًا متعددة من الانتهاكات، من العنف الجسدي واللفظي، إلى التنمر والتحرش، ما يجعلها قضية مجتمعية خطيرة تستوجب التوقف الجاد عندها وعدم التغاضي عنها. فسلامة الأطفال النفسية والجسدية خط أحمر، وحمايتهم مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمؤسسة التعليمية والجهات المعنية.

أولًا: دور الأسرة في الحماية والاحتواء

يبدأ الدور الأساسي من الأسرة بوصفها الحاضن الأول للطفل. فغرس الثقة بالنفس وبناء جسور التواصل الآمن مع الأبناء ينعكس مباشرة على قدرتهم على التعبير عمّا يتعرضون له من أذى أو مواقف غير مريحة.
فالطفل الذي يشعر بالأمان داخل أسرته يكون أكثر استعدادًا للبوح، بينما يؤدي ضعف الحوار والخوف من اللوم إلى صمت الطفل، وهو ما يمنح العنف والتحرش مساحة للاستمرار دون كشف.

ثانيًا: المدرسة… بيئة التعليم أم بيئة الخطر؟

تُعد المدرسة الطرف الثاني والأكثر تأثيرًا، بحكم أن الطفل يقضي فيها جزءًا كبيرًا من يومه. ومن هنا تبرز ضرورة الانتباه الدقيق لكل ما يحدث داخل أسوارها، سواء كان العنف مباشرًا أو ناتجًا عن الإهمال أو سوء الإدارة.
كما تفرض هذه المسؤولية أهمية اختيار كوادر تعليمية وإدارية تتمتع بالكفاءة الأخلاقية والمهنية، فالأطفال أمانة لا يجوز التفريط بها أو التهاون في حمايتها.

ثالثًا: سياسات واضحة لمناهضة العنف والتحرش

تبرز الحاجة الملحّة إلى وجود سياسات صارمة داخل المدارس لمناهضة جميع أشكال العنف، بما فيها التحرش الجسدي أو اللفظي أو السلوكي، مع ضمان تطبيق هذه اللوائح بشكل فعلي لا شكلي.
فغياب الأنظمة الرادعة، أو التستر على المخالفات، يسهم في تفشي الانتهاكات ويقوض شعور الطفل بالأمان داخل بيئته التعليمية.

رابعًا: التـ.ـحرش في المدارس.. قضية مسكوت عنها

يُعد التحرش بالأطفال من أخطر أشكال العنف المدرسي، لما يخلّفه من آثار نفسية عميقة قد تمتد لسنوات طويلة. وغالبًا ما تُحاط هذه القضايا بالصمت بسبب الخوف، أو الشعور بالعار، أو جهل الطفل بطبيعة ما يتعرض له.


وقد يصدر التحرش من أقران أو من أشخاص يفترض فيهم الحماية، ما يضاعف خطورته، لذلك، فإن التعامل مع أي شبهة تحرش يجب أن يكون فوريًا وحازمًا، مع حماية الطفل المُبلِّغ وضمان سرية الإجراءات، وإحالة القضايا إلى الجهات المختصة دون تردد.

خامسًا: تأهيل المعلمين وبناء التربية الإيجابية

تكتسب برامج التأهيل والتدريب المستمر للكوادر التعليمية أهمية بالغة، خصوصًا في ما يتعلق بأساليب التربية الإيجابية، وإدارة السلوك، واحترام حدود الطفل وكرامته.
فالمعلم ليس ناقلًا للمعرفة فقط، بل شريك أساسي في بناء شخصية الطفل، وأي إساءة أو تجاوز قد تترك آثارًا نفسية يصعب تجاوزها.

سادسًا: دور الجهات الرقابية والمسؤولية القانونية

لا يمكن إغفال الدور الرقابي للجهات المختصة، التي يقع على عاتقها متابعة المدارس بجدية، والتعامل الحازم مع الشكاوى، وضمان تطبيق القوانين التي تكفل حماية الطفل وحقوقه.
فالمساءلة العادلة والشفافة تمثل رادعًا حقيقيًا، وتسهم في خلق بيئة تعليمية أكثر أمانًا وثقة.

سابعًا: التواصل بين الأسرة والمدرسة

يُعد التواصل المستمر والفاعل بين الأسرة والمدرسة ركيزة أساسية في حماية الطفل، إذ يتيح رصد أي تغيرات قد تطرأ على سلوكه أو حالته النفسية.
فظهور الخوف، أو الانعزال، أو التراجع الدراسي، أو التغير المفاجئ في السلوك، كلها مؤشرات إنذار تستوجب التدخل السريع لا التجاهل.

ثامنًا: توعية الأطفال بحقوقهم وحدودهم

تعزيز وعي الأطفال بحقوقهم، وحدود أجسادهم، وحقهم في الرفض، يمثل خطوة جوهرية في الوقاية من العنف والتحرش. ويتم ذلك عبر برامج توعوية مبسطة تشجع الطفل على الإبلاغ، وتؤكد له أن الحماية حق وليس خطأ أو ضعفًا.

تاسعًا: التنمر الرقمي… امتداد للعنف المدرسي

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، بات التنمر الرقمي وجهًا جديدًا للعنف المدرسي، يمتد خارج أسوار المدرسة ليطال الطفل في فضائه الإلكتروني.
وهو شكل لا يقل خطورة، ويتطلب تعاونًا وثيقًا بين الأسرة والمدرسة لتوجيه الأطفال نحو الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.

خاتمة

إن التصدي للعنف والتحرش ضد الأطفال في المدارس لا يتحقق بالشعارات، بل بالوعي الجماعي، والرقابة الجادة، والتكامل الحقيقي بين الأسرة والمدرسة والجهات المعنية.
فالأطفال اليوم هم نواة مجتمع الغد، وحمايتهم مسؤولية أخلاقية لا تقبل التهاون أو التأجيل.

أ.د/ سعاد العزازي - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر الشريف