أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن من أوضح النماذج القرآنية التي تكشف سر تحريك المشهد بين الماضي والمضارع ما ورد في سورة الفيل، موضحًا أن هذه السورة القصيرة تمثل إعجازًا بيانيًا بالغ الدقة في توظيف الأزمنة، وأن المطلوب عند تدبرها هو التركيز فقط على الأفعال دون غيرها.
وأوضح الشيخ خالد الجندي، خلال حلقة خاصة بعنوان "حوار الأجيال"، ببرنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة “dmc”، أن السورة تبدأ بقوله تعالى: «ألم ترَ»، مشيرًا إلى أن فعل «ترى» جاء بصيغة المضارع، ثم ينتقل السياق مباشرة إلى «كيف فعل ربك»، فيتحول الفعل إلى الماضي، ثم يعود مرة أخرى إلى المضارع في قوله: «ألم يجعل كيدهم في تضليل»، لافتًا إلى أن هذا التتابع ليس عشوائيًا، بل مقصود بدقة شديدة.
وبيّن أن السورة تستمر على هذا النسق المتعمد، حيث يقول الله تعالى: «وأرسلنا عليهم طيرًا أبابيل» فجاء الفعل ماضيًا، ثم «ترميهم بحجارة من سجيل» فجاء بالمضارع، ثم «فجعلهم كعصف مأكول» ليعود مرة أخرى إلى الماضي، مؤكدًا أن هذا التوالي بين مضارع ثم ماضي ثم مضارع ثم ماضي هو أسلوب قرآني فريد لتحريك الصورة أمام القارئ.
وأشار الشيخ خالد الجندي إلى أن هذا التنقل بين الأزمنة يجعل المشهد حيًّا نابضًا، وكأن القارئ يشاهد الأحداث تتحرك أمام عينيه ذهابًا وإيابًا، موضحًا أن القرآن يحول القصة من مجرد خبر يُروى إلى مشهد يُعاش، تتحرك فيه الصورة باستمرار بين الفعل الواقع والفعل المتجدد.
وأكد أن السر العميق في هذا الترتيب الدقيق للأفعال هو توصيل رسالة إيمانية بالغة القوة، وهي أن الذي فعل ذلك بالأمس قادر على أن يفعل مثله اليوم، وأن القدرة الإلهية لا تتغير ولا تتقيد بزمن، مشددًا على أن سورة الفيل لا تُحكى لمجرد معرفة قصة أصحاب الفيل، بل لتغرس في القلب يقينًا ثابتًا بأن سنن الله وقدرته ماضية لا تتبدل، وأن من نصر بالأمس قادر على النصر في كل وقت.

