أكد قداسة البابا لاون الرابع عشر أن سرّ ميلاد السيد المسيح يشكّل إعلانًا إلهيًا متجددًا يمنح البشرية حياةً جديدة، مشددًا على أن الله، في الابن الذي صار بشرًا، لم يعطِ العالم فكرة أو رسالة مجردة، بل وهب ذاته، افتداءً للإنسان، وتطهيرًا له.
عشية عيد الميلاد
جاء ذلك خلال عظة قداس عشية عيد الميلاد، الذي ترأسه الحبر الأعظم، ببازيليك القديس بطرس، بالفاتيكان، حيث دعا المؤمنين إلى توجيه أنظار قلوبهم لا إلى نجوم بعيدة، بل إلى النور الحقيقي الذي وُلد في تواضع المذود، مؤكدًا أن الميلاد هو الحدث الذي يبدّد ظلمات التاريخ، ويعيد للإنسان كرامته الأصيلة.
وأوضح الأب الأقدس أن البشرية، عبر العصور، بحثت في السماء عن المعنى، والرجاء، لكنها بقيت أسيرة الظلمة، إلى أن أشرق نور الميلاد، مشيرًا إلى قول النبي: "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا"، لافتًا إلى أن هذا النور هو شخص المسيح نفسه "عمانوئيل"، الذي يأتي في الزمان والمكان، ويسكن بين البشر، ليبدّد كل ظلمة، ويهب فجر حياة جديدة، وأبدية.
وشدد بابا الكنيسة الكاثوليكية على أن علامة الخلاص التي أعطاها الله لعالم مظلم لم تكن قوة، أو سلطانًا، بل طفلًا ملفوفًا بأقمطة، مضجعًا في مذود، معتبرًا أن عظمة الله تتجلّى في ضعف وليد، وأن قداسة الروح تشرق في جسد بشري صغير محتاج إلى الرعاية والدفء، مثل جميع البشر.
وأشار قداسة البابا إلى أن الميلاد يكشف عن الكرامة اللامتناهية لكل إنسان، موضحًا أن الله شاء أن يظهر إنسانًا للإنسان ليعيد إلى البشرية صورتها الحقيقية، محذرًا من أن غياب مكان للإنسان، ولا سيما للأطفال، والفقراء، والغرباء، يعني غياب المكان لله نفسه، مستشهدًا بكلمات قداسة البابا بندكتس السادس عشر التي تؤكد أن قبول الإنسان هو المدخل الحقيقي لقبول الله.
حكمة الميلاد
وفي سياق تأمله الروحي، أكد عظيم الأحبار أن حكمة الميلاد تكمن في أن الله يواجه آلام العالم، وعنفه لا بالقوة، بل بالتواضع، مشيرًا إلى أن الطفل يسوع هو كلمة رجاء للشعوب، وقوة نهوض للبائسين، ونور خلاص في وجه الظلم والعنف، مضيفًا أن الله، بصيرورته إنسانًا، يحرر البشرية من كل عبودية، ويعيد تعريف الكرامة الإنسانية في عالم يحوّل الإنسان إلى سلعة.
كذلك، ربط الأب الأقدس بين رسالة الميلاد، ورسالة الكنيسة، داعيًا المؤمنين إلى حمل الرجاء حيثما غاب، والتبشير بسلام لا يقوم على السلاح، بل على المحبة، مستذكرًا تأكيد قداسة البابا فرنسيس على أن ميلاد المسيح هو عطية، ومسؤولية في آنٍ واحد.
واختتم قداسة البابا لاون الرابع عشر عظته بالتأكيد على أن عيد الميلاد هو عيد الإيمان، والمحبة، والرجاء، داعيًا الكنيسة جمعاء إلى إعلان فرح الميلاد، والشهادة له في العالم، دون خوف من ظلمات الليل، والسير بثقة نحو فجر يوم جديد، حيث يولد الرجاء من قلب الإيمان.








