في ظل اهتمام الدولة المصرية بالصحة العامة باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية المستدامة وحقا أصيلا لكل مواطن، تواصل مصر تحقيق إنجازات نوعية ومتراكمة في مختلف محاور المنظومة الصحية، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة، واستراتيجيات وطنية متكاملة، وشراكات فعّالة مع منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية، بما عزز مكانتها كنموذج إقليمي ودولي في حماية صحة الإنسان.
وانعكس هذا التوجه في نجاحات ملموسة بمجالات مكافحة الأمراض المعدية وغير السارية، والتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات، وتطوير خدمات الإسعاف والرعاية الأولية، لترسخ مصر موقعها كدولة مرجعية في بناء منظومة صحية حديثة وقادرة على الاستجابة للتحديات.
وفي تأكيد دولي جديد على كفاءة منظومة الصحة العامة، أعلنت منظمة الصحة العالمية تجديد الإشهاد الدولي بخلو مصر من أمراض الحصبة، والحصبة الألمانية، والملاريا، وشلل الأطفال للعام الثاني على التوالي، بما يعكس قوة برامج الترصد الوبائي والتطعيمات الوطنية.
كما حصلت مصر على إشهاد المنظمة بالخلو من مرض التراكوما، إلى جانب شهادة الخلو من مرض الفيلاريا بنهاية عام 2017، في إنجاز يُجسّد نجاح الحملات القومية المتكاملة للقضاء على الأمراض المدارية المهملة.
وفي سابقة إقليمية وعالمية.. أعلنت منظمة الصحة العالمية تحقيق مصر للهدف الإقليمي للسيطرة على الالتهاب الكبدي الفيروسي عام 2023؛ لتصبح أول دولة في العالم تصل إلى "المستوى الذهبي" على مسار القضاء على "فيروس سي" وفق معايير المنظمة.
وتعزيزا لمكافحة العدوى، أطلقت الدولة مبادرة رعاية الأطفال حديثي الولادة خلال الفترة من سبتمبر 2024 حتى ديسمبر 2025، للحد من العدوى داخل وحدات الرعاية المركزة لحديثي الولادة على مستوى الجمهورية.
وفي ملف مقاومة مضادات الميكروبات، توسعت مصر في تطبيق المنظومة الوطنية بالمستشفيات ضمن الخطة التنفيذية القومية، وهو ما توج بإشهاد منظمة الصحة العالمية بأن مصر تُعد مرجعية ناجحة عالميًا في هذا المجال، حيث صُنّف برنامج منع ومكافحة العدوى بالفئة الأعلى (E) وفق تقرير المنظمة لعام 2024.
كما حصلت خمسة مستشفيات مصرية على الاعتماد الدولي في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، هي مستشفى المنيرة العام بالقاهرة، مستشفى المنصورة الدولي بالدقهلية، مستشفى دمياط العام، مستشفى حميات الغردقة بالبحر الأحمر، ومستشفى الإيمان العام بأسيوط.. فيما نالت ثلاثة منها تصنيف "مراكز تميز عالمية" لتبادل الخبرات مع المنشآت الصحية دوليًا.
وفي إطار مواجهة الأمراض غير السارية، أُطلقت أول ورشة عمل وطنية حول سرطان الأطفال في 29 أبريل 2025 بمشاركة منظمة الصحة العالمية، دعما للتشخيص المبكر والعلاج الفعال، ومتابعة مستجدات المبادرة العالمية لسرطان الأطفال (GICC).
وأصبحت مصر نموذجا عالميا في علاج الهيموفيليا، بعد ارتفاع نسبة الأطفال الذين يتلقون العلاج الوقائي من 20% إلى 80%، وتقليل نوبات النزيف بأكثر من 80%، وخفض مضاعفات المفاصل ونزيف المخ بنسبة 85%، وتقليص أيام الحجز بالمستشفيات إلى 95%.
وفي مجال نقل الدم، حاز المركز القومي لخدمات نقل الدم على اعتماد الجمعية الأمريكية لبنوك الدم (AABB) المعتمدة من ISQUA منذ عام 2014، مع تجديده للمرة الرابعة في ديسمبر 2022، وتجديد اعتماد المعمل المرجعي لكرات الدم الحمراء حتى عام 2028.
وضمن مظلة مبادرة "100 مليون صحة" التي تضم 15 مبادرة رئاسية، أُطلقت حملة "قلبك أمانة" بالتعاون مع شركة "باير" لصحة المستهلك، بهدف الاكتشاف المبكر للأمراض غير السارية وأمراض القلب.
وحتى يونيو 2025، جرى من خلال تلك الحملة فحص أكثر من 1.5 مليون مريض ضغط وسكر، وتقديم ما يزيد على 1.6 مليون خدمة طبية داخل 401 منشأة صحية في 21 محافظة.
وفى هذا الإطار.. أعرب مدير صحة المستهلك بشركة "باير مصر ودول الخليج"، عن فخره بنتائج الحملة، مؤكدًا التزام الشركة بشعار "الصحة للجميع"، وتطلعه لتوسيع الشراكة خلال العامين المقبلين وزيادة عدد مراكز الرعاية الأولية المشاركة لدعم التحول في المنظومة.
ومن جانب آخر.. شهدت هيئة الإسعاف المصرية طفرة كبيرة، حيث ارتفع عدد سيارات الإسعاف من 2497 سيارة عام 2014 إلى 3264 سيارة عام 2025، مع زيادة نسبة التشغيل إلى 76%، وارتفاع التشغيل الفعلي إلى 99%.
كما أُدخلت وسائل إسعافية حديثة، شملت جولف كار، وسكوترات كهربائية، ولنشات بحرية، إلى جانب تشغيل مئات الوحدات ضمن مبادرة "حياة كريمة"، وإطلاق تطبيق "إسعفني"، وتطبيق منظومة التوزيع اللحظي للبلاغات، وتشغيل مركز تلقي المكالمات.
وفي قطاع الرعاية الأولية، بلغ عدد المنشآت المعتمدة وفق معايير (GAHAR) نحو 130 منشأة خارج محافظات التأمين الصحي الشامل، مع التوسع في ميكنة منافذ صرف الألبان، وتوفير 28 نوعًا من الألبان العلاجية، وأدوية للأمراض الوراثية.
كما جرى تعديل بروتوكول جرعات فيتامين (أ) للأطفال وفق توصيات منظمة الصحة العالمية، وأسفرت برامج الترقب التغذوي عن تحسن ملحوظ في مؤشرات التقزم والنحافة.
وشهد القطاع افتتاح 26 عيادة "المرأة الآمنة"، وتهيئة 50 منشأة صديقة للأم والطفل، مع وصول تغطية الأطباء بمراكز الرعاية الأولية وتنمية الأسرة إلى 80%.
وفي إطار مسار التغطية الصحية الشاملة وبناء الإنسان، حققت مصر تقدمًا لافتًا في ملف التوازن السكاني، حيث تراجع معدل الإنجاب الكلي من 3.4 طفل لكل سيدة عام 2014 إلى 2.41 طفل عام 2024، وانخفض عدد المواليد إلى أقل من مليوني مولود للمرة الأولى منذ 2007.
كما أطلقت الدولة الخطة العاجلة للسكان والتنمية (2025 - 2027)، والتي أسفرت عن خفض عدد المناطق الحمراء من 74 إلى 42 منطقة، وارتفاع عدد المناطق الخضراء إلى 24 منطقة، وتحقيق 7 محافظات لمعدل الإنجاب المستهدف لعام 2030.
وحققت هيئة الدواء المصرية إنجازا تاريخيا بحصولها على اعتماد منظمة الصحة العالمية مستوى النضج الثالث (ML3)، لتصبح مصر أول دولة إفريقية تنال هذا التصنيف، مع الاستعداد للتجديد والسعي نحو مستوى النضج الرابع.
وفي تقدير دولي.. حصل الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان على جائزة القيادة من المجلس الأوروبي للشركات الإفريقية والشرق أوسطية، كما أُعيد انتخابه رئيسًا للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وتم اختيار مصر مقرًا دائمًا للوكالة العربية للدواء "وعد".
وتعكس هذه الإنجازات المتكاملة رؤية مصر الطموحة لبناء منظومة صحية حديثة قادرة على الوقاية والعلاج والاستجابة السريعة، ومدعومة بإشادات واعتمادات دولية، لتؤكد أن الاستثمار في صحة الإنسان هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل الوطن.