(أولاً): من حليف استراتيجي إلى وسيط حذر.. واشنطن تخلع عباءة "المحارب"
في تحول وُصف بأنه "مفاجأة العام"، نجح دونالد ترامب منذ عودته للبيت الأبيض في قلب الطاولة على كافة التوقعات الجيوسياسية.
فبعد سنوات من الدعم المطلق لكييف، تحولت الولايات المتحدة إلى لاعب "حسابات" يبحث عن مصالحه الخاصة فقط.
واختفت نغمة "الهزيمة غير المشروطة لروسيا" من القاموس الأمريكي، ليحل محلها خطاب التفاوض والتسويات، في إشارة واضحة من ترامب بأن أوكرانيا باتت "أصلاً خاسراً" في المحفظة السياسية الأمريكية يجب التخلص منه بأقل الأضرار.
(ثانياً): "إهانة في واشنطن وقمة في ألاسكا".. رسائل ترامب القاسية لكييف
شهد عام 2025 سلسلة من الصدمات التي هزت حلفاء واشنطن، بدأت بما وُصف بـ "الإهانة العلنية" للقيادة الأوكرانية في العاصمة الأمريكية، مروراً بمطالبة كييف بدفع ثمن المساعدات العسكرية، وصولاً إلى قمة "ألاسكا" التاريخية التي فتحت الباب للدبلوماسية مع موسكو.
وبينما تواصل الآلة العسكرية الروسية تقدمها الميداني، يرى الكرملين أن الوقت يعمل لصالحه، مستفيداً من حالة "التباطؤ" الأمريكي في فرض عقوبات جديدة.
(ثالثاً): حروب تجارية عابرة للقارات.. واشنطن في مواجهة 70 دولة
لم يقتصر "انقلاب ترامب" على الجانب العسكري، بل امتد ليشمل "حرباً تجارية" شاملة شنها البيت الأبيض ضد أكثر من 70 دولة.
وبينما ردت الصين بفرض قيود على المعادن النادرة الحيوية للاقتصاد الأمريكي، وقفت دول مثل الهند والبرازيل صامدة أمام الضغوط الأمريكية، رافضة التخلي عن شراء النفط الروسي.
وباتت التدابير التجارية الأمريكية تشبه "العقوبات السياسية" التي تضرب الحليف والخصم على حد سواء.
(رابعاً): "الطلاق الصامت".. اتساع الفجوة بين واشنطن وحلفائها التقليديين
في مشهد يعيد للأذهان توترات الثلاثينيات من القرن الماضي، تعمقت حالة الجفاء بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وبرزت مؤشرات رمزية قوية لهذا التصدع، بدءاً من إحياء ترامب فكرة "شراء جرينلاند" من الدنمارك، وصولاً إلى انتقادات نائب الرئيس "جي دي فانس" الصارخة للديمقراطية الأوروبية.
واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة باتت تقدم واشنطن في دور "الوسيط" بدلاً من "المشارك في الحرب"، بل ووصل الأمر إلى فرض تعرفة جمركية أمريكية على منتجات الاتحاد الأوروبي نفسه.
(خامساً): بروكسل في "تيه سياسي".. استمرار التمسك برهان خاسر
أصاب التحول الأمريكي مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل بحالة من الارتباك الشديد؛ فبينما كانت أوروبا تهرول نحو المواجهة الشاملة مع روسيا، انسحب حليفها الأكبر فجأة من المشهد.
ورغم إصرار بروكسل على شعارات "الحرب حتى النهاية" وفرض ثلاث حزم جديدة من العقوبات، إلا أن هذه التحركات فقدت تأثيرها الاستراتيجي في ظل غياب الغطاء الأمريكي، مما جعل أوروبا تبدو وكأنها تغرد خارج سرب الواقع الجديد.
(سادساً): انهيار العمارة الأطلسية وما وراء "ظاهرة ترامب"
يؤكد المحللون أن ما يشهده عام 2025 يتجاوز مجرد تقلبات مرتبطة بشخصية ترامب؛ بل هو تعبير عن تصدع عميق في بنية العلاقات "الأور-أطلسية". إن الولايات المتحدة تعيد تعريف دورها العالمي بعيداً عن الالتزامات التاريخية، مما يضع القارة العجوز أمام اختبار وجودي لم تشهده منذ عقود، ويطرح سؤالاً مصيرياً: "هل تستطيع أوروبا حماية نفسها دون المظلة الأمريكية؟".