شهدت مدينة كيرونا الواقعة في أقصى شمال السويد واحدة من أكثر عمليات التحويل الحضري إثارة في العالم، حيث يجري نقل أجزاء كبيرة من المدينة بالكامل إلى موقع جديد على خلفية توسّع نشاط التعدين وفعل التغيرات الجيولوجية في المنطقة.
كيرونا، التي تقع داخل دائرة القطب الشمالي في منطقة لابلاند، تعد موطنًا لأكبر منجم خام حديد تحت الأرض في أوروبا، وتربط تاريخها واقتصادها كله باستخراج المعادن.
على مدى سنوات، تسبب هذا المنجم في إضعاف التربة أسفل مدينة كيرونا، مما جعل بعض الأحياء غير آمنة للسكن وأدى إلى ظهور تصدعات في المباني والطرق.
نقل مدينة سويدية كاملة
في إطار مشروع عمراني وبيئي ضخم بدأ التخطيط له منذ أوائل الألفية، اتفق المسؤولون على نقل المدينة إلى موقع يبعد نحو 3 كيلومترات شرقًا عن موقعها الأصلي، مع الحفاظ على هوية المجتمع وأهم معالمه. هذا المشروع يُعد من أضخم مشاريع النقل العمراني في التاريخ الحديث، ومن المتوقع أن يستمر العمل فيه حتى عام 2035.
واحدة من أكثر لحظات المشروع إثارة كانت حين تم نقل كنيسة كيرونا الخشبية التاريخية، المبنية منذ أكثر من 100 عام، بكامل هيكلها عبر طرق المدينة على مدى يومين.
تم رفع الكنيسة ووضعها على منصات نقل ميكانيكية مجهزة بعشرات العجلات، ونُقلت لمسافة حوالي خمسة كيلومترات ببطء شديد لضمان سلامتها.
هذه الكنيسة ليست وحدها؛ فالمشروع يشمل كذلك نقل آلاف المنازل والمباني العامة والتجارية، بالإضافة إلى إعادة تصميم مركز المدينة بالكامل في الموقع الجديد.
ماذا قال سكان المدينة؟
شركات البناء تعمل على نقل وترميم المباني التاريخية، وتزويدها بالبنى التحتية الجديدة من كهرباء ومياه وأنظمة تدفئة وصرف صحي، بما يضمن تكامل الحياة اليومية لسكان المدينة.
رغم أن مشروع نقل كيرونا مبني على ضرورة استجابة للتحديات البيئية والتعدينية، فإنه واجه أيضًا ردود فعل مختلطة بين السكان.
بعض السكان يشعرون بالحزن على ترك المكان الذي عاشوا فيه أجيالًا، بينما يعبر آخرون عن القلق بشأن التأثيرات الاجتماعية والثقافية لانتقال المجتمع بأكمله.
إضافة إلى ذلك، أثار المشروع انتباه عالمي لما يمثّله من تحدٍ هندسي وتنظيم حضري استثنائي، حيث تم تخطيط كل خطوة بدقة لضمان أن تكون المدينة الجديدة معاصرة من حيث المرافق والخدمات، وفي نفس الوقت تحتفظ بروح المكان القديم.
وبحسب الخبراء، فإن هذه الخطوة مثال على كيفية تعامل المجتمعات مع الضغوط الناتجة عن استخراج الموارد وتغيرات الأرض، ما يجعل كيرونا رمزًا فريدًا لتفاعل الإنسان مع الطبيعة في القرن الحادي والعشرين.





