الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتبهوا.. مصر ترجع إلى الخلف


فوجئت الحركة الثقافية بقرار السيد رئيس الوزراء إبراهيم محلب بمنع فيلم "حلاوة روح" من العرض بعض اعتراض عدد من نشطاء الفيس بوك وفئات من المجتمع عليه ، والشيء الصادم أن تستمر سياسات المنع بعد ثورتين قامتا من أجل الإعلاء من قيمة وسقف الحريات في المجتمع المصري ، بعد أن أثبتت التجربة العملية أن سياسات القمع لا تخلق إلا مجتمعات مشوهة مكبوتة غاضبة.
وهنا علينا أن نتساءل: كيف يُتخذ قرار بإلغاء أي منتج فني بناء على تقييم غير أهل الاختصاص؟. وهل يعلم معالي دولة رئيس الوزراء أن سياسات المنع من العرض هي أحد عناصر الترويج للمنتج الفني والإبداعي مهما كانت قيمته أو جودته الفنية؟ وهل يعلم أنه فعليا لا يمكن المنع في ظل عصر السماوات المفتوحة التي تتيح عرض أي شيء على قنوات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ؟. ولكي نصل الى جذور هذه الأزمة علينا ألا ننظر لهذه القضية بنظرة سطحية كما يصدرها لنا الإعلام ، لأن سياسات المنع الآن تحمل رسائل متعددة الأوجه.
أولا: من زاوية اجتماعية نجد أن فيلم "حلاوة روح" الذي تمت الموافقة على نصه المقتبس من أحد الأفلام الإيطالية في عهد نظام مبارك ، ليس الفيلم الأول من نوعه الذي يتعرض لمشاهد عنف أو جنس ، وعليّ أن أذكركم بأفلام مثل"حين ميسرة" لمخرجه خالد يوسف عام 2007 الذي احتوى على مشاهد للسحاقية وأخرى للاغتصاب وثالثة لممارسة أطفال الشوارع للجنس ، وفيلم "إبراهيم الأبيض" عام 2009 الذي كانت أغلب مشاهده غاية في القسوة وتكرس للعنف ، وغيرهما من الأفلام. فلماذا لم تمنع مثل هذه الأفلام في حينها؟!
وهنا علينا أن نتساءل: ما الشريحة المجتمعية التي تشاهد مثل هذه النوعية من الأفلام؟ بالتأكيد هم ليسوا من أساتذة الجامعات والمثقفين والذين نالوا قسطا من التعليم الجيد بأية لغة كانت، ولكنهم فقط أبناء الطبقات التي تم إهمالها تعليميا وثقافيا ، وأصبحت معنية فقط بالغرائز البيولوجية لأن إعمال العقل تعطل. فقبل أن تمنعوا أيها السادة عليكم أن تهتموا بالتعليم والثقافة اللذين يصنعان مواطنا مستنيرا قادرا على فرز المنتج الفني الجيد من الرديء ، وبالتالي قادر على الانتقاء الذي يتضمن الاختيار الجيد.
ثانيا: من منظور سياسي نجد أن اختيار هذا التوقيت تحديدا لمنع فيلم "حلاوة روح" من العرض له دلالة واضحة هي تشتيت انتباه المواطن ، وجذب انتباهه لأشياء فرعية بعيدا عن القضايا الرئيسية في المجتمع مثل انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي في شتى أنحاء الجمهورية ، وتصاعد ممارسات عنف الجماعات الإرهابية في الجامعات والشارع ، هذا بخلاف العديد من المشكلات المتعلقة بالصحة وأخطاء الأطباء ، وسجال المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية.
ومن ناحية أخرى فهناك احتمال كبير أن تكون سياسات منع أنماط بعينها من الإنتاج الفني التي يفرضها رئيس حكومة سترحل في أقصى تقدير بعد شهرين من الآن ، ما هي إلا رسالة من النظام الجديد القادم الى الحركة الثقافية برمتها ، وإذا كان المنع في هذه المرة لأسباب مجتمعية فربما ستكون في المرات القادمة لأسباب سياسية أو دينية .
ثالثا: من منظور عقائدي ، وهنا علينا أن نلفت نظر القارئ للتالي: أن جريدة اليوم السابع بتاريخ 11 ابريل نشرت على لسان ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية "إن اختيار الدعوة لمرشح رئاسي لدعمه خلال الانتخابات المقبلة يعتمد على برنامج المرشح وما إذا كان سيلتزم بتطبيق الشريعة أم لا. ونحن نؤمن بمبدأ التدرج في تطبيق الشريعة والذي يحتاج فعليا الى وقت لتطبيقه".
وبعد قرار رئيس الوزراء بمنع الفيلم بعد التصريح السابق للدعوة السلفية بأيام معدودة نجد أن بسام الزرقا نائب رئيس حزب النور وأحمد فريد عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية يشيدون بقرار رئيس الوزراء ويؤكدون على أن محاولات البعض لتمرير الفحش باسم الفن لم ترهب رئيس الوزراء. وهنا علينا أن نتساءل: ماهي انتماءات رئيس الوزراء الحالي؟ وأي المرشحين للرئاسة يدعم فربما يعمل لصالح من يؤيده ؟ وأي التيارات الفكرية التي ستحكم مصر فعليا في الجمهورية الثالثة ؟.
وفي خضم هذا الجدل المشتعل بين مؤيد ومعارض لقرار رئيس الوزراء الفوقي بإلزام وزارة الثقافة بمنع فيلم "حلاوة روح" من العرض غاب عن المشهد وزير الثقافة د. صابر عرب الذي لم نسمع له صوتا أو نقرأ له تصريحا يتعلق بهذه الأزمة ؟! كذلك لم نر أي تصريح بالقبول أو الرفض من لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة؟! علما بأن وزارة الثقافة سبب رئيسي في خلق هذه الأزمة ، لأنها تركت صناعة السينما المصرية عبر العقود الماضية في أيدي آل السبكي وأمثالهم الذين يتباهون بأنهم الأكثر إنتاجا لأفلام السينما في الأعوام الماضية، فأين كانت مؤسسات وزارة الثقافة من حماية صناعة السينما خلال العقود السابقة؟!