عيد حبي لجلال عامر عمي

الحقيقة أنه خلال سنوات عملى كصحفية قابلت عددًا ليس قليل من هؤلاء.. أصحاب النفوذ والمشاهير من الكتاب والفنانين، ولا أنكر أننى أصبت فى أحيان كثيرة بخيبة أمل فى شخصهم، وذلك عندما اقتربت منهم "كبنى آدمين".. فهم يقولون ما لا يؤمنون به، يكتبون ما لا يفهمون، يحفرون فى قلوبنا مالا يشعرون به، فكانت الازدواجية والنفاق أهم سماتهم.. فقررت منذ أكثر من عامين ألا أقترب لأى كاتب أحبه، واتبعت المثل الذى يقول "خليك بعيد تكون حبيب"، وعاهدت نفسى أن أكتفى بأسمائهم على كتبهم فى مكتبتى.
ولكن فى العام الماضى اقترح أحد رؤسائى أن أجرى حوارا مع كاتب ساخر، وبدون تفكير اقترحت أن يكون أستاذنا جلال عامر أو عمر طاهر، لأنهما المفضلان لى فى الكتابة الساخرة، وقررت أن أبدأ بعمنا جلال عامر، وبعد اقتراحى هذا تذكرت معاهدتى مع نفسى، فلماذا جلال عامر، لا أريد أن أصدم فى شخصه، فأنا عاشقه لكلماته، وغارقة فى حب سطوره الباكية الضاحكة، وبدأت ظنونى السوداء، هل سيكون مغرورًا أو متعجرفًا فى التعامل، هل سيرفض إجراء الحوار بقلة ذوق، وغيرها من السمات التى تصيب المشاهير!
لكن حبى له وفضولى جعلانى لا أمنع نفسى من محادثته التى تمنيتها كثيرا.. وحدث بالفعل
فى البداية اتصلت وكان تليفونه مغلقًا، فأرسلت له رسالة، ولأن ظنونى السوداء ما زالت تلاحقنى توقعت عدم رده علي لا باتصال ولا برسالة، لكن الأغرب بعد ساعة تقريبا، رسالتى وصلت، وبعد دقائق من وصولها وجدت اسمه يظهر على شاشة موبايلى! ولكن مازالت أيضا ظنونى موجودة، فقلت للأسف الرقم خطأ، واتصلت بشخص غريب، لأن بالتأكيد أستاذ وكاتب كبير فى حجم جلال عامر لن يهتم!
ورددت وأنا أتوقع معاكسة، ولكن صوته المليء بالتفاؤل والثقة والحب، جعلنى أتأكد أنه هو جلال عامر، فسألته للتأكد مرة أخرى: "حضرتك أستاذ جلال عامر؟".
فأجاب: أيوه.. اتفضلى
أنا: حضرتك أنا فلانة الفلانى صحفية فى الأهرام والحقيقة كنت عايزة أعمل مع حضرتك حوار للأهرام
فقال: والله يا أستاذة ....
فقاطعته : لا لا أنا مش أستاذة خالص، أنا اسمى مريم وبس، وصحفية صغنونة جدا على فكرة
فرد: العفو إنتى أستاذة قد الدنيا
أنا : يبقى خلاص فين وإمتى أقابل حضرتك
عمى جلال: بصراحة أنا باعتذر لك لأن فعلا وقتى مشغول جدا، والحقيقة أننى قاطعت الحوارات الصحفية من فترة طويلة عشان التحريف اللى بيحصل بعد كتابته ونشره.
أنا: لا حضرتك متقلقش أنا هسجل الحوار وأوعدك بالتزامى بكل حرف
عمى جلال رد بكل ذوق وهدوء: لا معلش.. بجد حقك عليا مش هينفع
فسكت للحظات قصيرة وقلت: أستاذ جلال ممكن أقولك سر؟
قال: اتفضلى
فرددت بشكل ساخر: بصراحة بقى يا أستاذ جلال أنا أصلا بتلكك إنى أقابلك، لأنى من الآخر عاشقة لكتابات حضرتك، وبحبك جدا، وأنا مش من السهل أبدا إنى أقول كلمة بحبك لأى حد، والمرة الوحيدة اللى قلتها كانت للولد اللى كنت بحبه، وخلانى ندمت إنى قلتها، هتخلينى أندم للمرة الثانية!!
فضحك عم جلال
وقلتله: وكمان بعدها ممكن تحصلى صدمة كهرومغناطيسية وشلل فى لسانى، ومستقبلى يضيع ويبقى ذنبى فى رقبتك
فرد ضاحكا: لأ خلاص.. كلمينى يوم الأحد الساعة 1 الظهر، هاكون فى القاهرة وخلصت تصوير فقرتى الأسبوعية فى دريم
ومن هنا توالت مكالماتى ومقابلاتى مع عم جلال، ورغم أن علاقتى به لم تكن عميقة، لكنها أثرت في بشكل كبير، فهو إنسان رائع مبتسم دائما، متواضع كثيرا، ذهنه حاضر وخفة ظله لا توصف، ومن المؤكد أن هناك أكثر منى يستطيعون وصفه جماله الداخلى، وحقا لا تكفى فيه آلاف السطور، رائع بمعنى الكلمة.. وجعلنى أتأكد أن التواضع وطيبة القلب لا يزالان موجودان فى حياتنا رغم كل ما عانيته من إحباطاتى الإنسانية فى البشر.
عم جلال.. حزينة على فراقك، وأقسم بالله، إذا كنت أعلم أنك سترحل قريبا، كنت حدثتك كل ساعة وقابلتك دائما، وندمت أننى لم أستغل كل لحظة للتعلم منك أكثر، والحقيقة أنك تستحق أن أهدى لك يوم الحب، لأنك أكثر الشخصيات التى أحببتها هذا العام على المستوى الإنسانى.. كل سنة وكلنا بنحبك يا عم جلال رحمك الله.