قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فرح في "المشرحة"!


هو ابن مجنونة.. نعمل له إيه؟!!! ترك "لوحات" مشاهد الغروب الخلابة في كل مكان.. والشروق أيضا.. لم يستشعر الجمال في الجناين والحدائق والزهور.. ولا عجبه "ريحتهم".. ضفاف النيل بشاطئيه لم يصل جمالهم لوجدانه.. ولم تقع عينيه على"صفحته"، رومانسية البحر وغموضه ضلت الطريق لإحساسه.. رغم أنه من ولاد "الثغر" وواحد من سكانه، عبق التاريخ وأمجاده لم يلفت نظره.. ولم يتوقف عند أهراماته ولا فراعنته، الكورنيش.. والفنادق.. والكازينوهات والمسارح والنوادي ودور المناسبات والكنائس والمساجد والبيوت وحتى الشوارع و"السطوح".. "ساب" كل ده.. وراح اتجوز في المشرحة!!!

هو.. طبيب شاب، عايش وسط الأموات، "نفض" إيده من الجثث، وطلع على بيت العروسة عشان خلاص.. قرر يتجوز، خطب و"شقي" وكافح و"سف" التراب، و"جاب" الشقة، ولم يتبق غير "الدخلة"، حفل الزفاف يعنى.. هو كان مقتنع بالزفاف.. لكنه لم يكن مقتنعا بـ"الحفلة"!! أو قل.. للحفلة عنده معنى.. ومرادف آخر!!

فى مستشفى المواساة في إسكندرية.. يعمل طبيبا شرعيا.. قرر يدخل الدنيا من نفس "البوابة" المحددة للخروج منها!! خد مراته.. وطلع على المشرحة اللي بيشتغل فيها.. أو بمعنى أصح.. اللي بيشتغل في البني آدمين "اللي فيها"، وأتم طقوس وإجراءات زفافه مع عروسته بين الجثث!! وحلت "دماء" الموتى محل "شربات" الفرح، والتى كانت تقطر من أطراف وبقايا "البشر" المتدلية من فوق "تربيزات" التشريح!!

"علق" الطبيب عروسه في ذراعه ودخل عليها – آسف – دخل بها المشرحة، ويبدو أن مراته لم تندهش أو تعترض على الفكرة، بل تحمست لها.. وللحق.. لم تكن قرينته "غريبة" على المكان!!
عندما ترى العروس في الصور ستشعر - من أول وهلة - أن الطبيب "ما راحش بعيد"!! فالزوجة تختلط ملامحها ما بين الأحياء و"سكان المكان"!! ولا أعرف ما إذا كان ذلك يعود لـ"رداءة" الصورة المنشورة، أم أن ملامحها سبب حب زوجها "المفتون" بالجثث و"العفاريت"، فالعروس "وحشششششششششة أوى"!!

هو حر.. عايز يتجوز في المشرحة.. المدافن.. المزارع.. المجارى.. الأسانسير أو حتى في"كومودينو".. هو حر.. "أنت حر.. ما لم تضر".. هكذا قالوا.. ونقول في أمثالنا.

الغريب - من وجهة نظري – ويعد أغرب من الواقعة ذاتها.. التبعيات وردود أفعال المسئولين عن المشرحة على ما قام به الطبيب الشاب.. الدنيا قامت ولم "تقعد"، كما لو كانوا "مسكوا" الطبيب يغتصب واحدة من المترددات على أرفف "التلاجات"!! أين الضرر الذي خلفه هذا الطبيب من وراء فعلته؟!! وما هو حجم الخراب والدمار الذي حل على البلد بسبب فكرته؟!! وأين هم الضحايا.. وكم تبلغ أعداد الذين سقطوا بسبب زفافه بين "رواد" الآخرة؟!!

ماذا فعل هذا الطبيب الشاب حتى تنهال عليه - من كل صوب وحدب - كل هذه اللعنات، لعنات كـ"المطرة" راحت تصبها ردود أفعال عصبية وغاضبة، لما كل هذا التهديد والوعيد الذي "بشروه" به؟ والذى من المؤكد أنه "ضرب" - ولا يزال - ليلة "دخلته"، فمن الذي يستطيع الدخول في "غمار" إجراءات وطقوس "الهنى مول" وهو ينتظر - بين الحين والآخر - وصول خبر "نفخه"؟!!

لا أعرف كيف تروق لإنسان "طبيعي" فكرة أن يكون زفافه داخل مشرحة؟!! إلا إذا كان هذا الإنسان يملك أكبر عدد من جينات وأنسجة "البتنجان" جوه راسه!! في الواقع.. لم أستطع تخمين أسباب إقدام هذا الشاب على الفكرة؟ تقليعة.. بدعة.. فراغ.. جنان.. "لسعة".. ولا مجرد "حركة"، ولا الفكرة كانت مجرد "ستار" كوميدي وطريف ليس إلا.. لإخفاء فقره.. وخواء جيوبه وضيق ذات يده.. المهم.. هو كان يقصد لفت النظر إليه.. ونجح .

هذا الطبيب لم يخطئ.. ولم يختلس أو يدلس أو يغش.. ولم يرتش.. هذا الشاب لم يجرم ولم ينحرف، ولا يحدثني أحدا عن حرمة الموتى.. وانتهاك قدسية غير الأحياء.. بل على العكس.. "زرع" الطبيب فى هذا المكان الموحش المخيف بذور الفرحة والبهجة بزواجه، وجمع فى نفس المكان ما بين حقيقة "الموت" القاسية.. ونعمة الحياة وحلاوة الدنيا.

الواقعة.. نعم غريبة ونادرة.. لكنها لا تستحق كل هذا الهذيان الإعلامي الذي أحاط بالقصة وتفاصيلها.. بطلوا "هيافة".. وتوقفوا عن المتاجرة بـ"هفوات" بريئة لم تتعد أهدافها كسر "طوق" الروتين.. والتحرر من جمود تقاليدنا، وابتداع "تذكار"طريف ونادر لليلة العمر".. وفروا موجات الغضب والعصبية.. وياريت تحولوها لطاقة حقيقية وجدية لبحث ودراسة كيفية تبديل ظروف هذا الشباب.. ودعم أحلامهم وتقوية طموحهم.. لا كسرهم وتحطيمهم.

الطبيب لم يتجاوز في سلوكياته أكثر من تصوير نفسه مع زوجته في أماكن متفرقة من مشرحته.. ولم تضبطوه جالسا مع الجثث يحتسون زجاجات "البيرة".. ومبعثر على الأرض "مزتها"، والمعازيم "المتشرحين" يقفون فوق "الترابيزات" يلملمون "النقطة" ويرددون "التحية والسلامات" لإحياء ليلته، والباقي منهم يمشى كـ"الزجزاج" وهو يجرجر "كفنه".. يترنح من فرط "السكر".. ويسابق كل منهم الآخر للوصول لدورة المياه "لطرد" الكحول الذى يسكن جوفه.. "يستفرغ" يعنى.

قبل أن تنصبوا لهذا الطبيب المشانق.. اعرفوا من هذا الشاب "العبقري".. كيف استطاع شراء شقة فى هذا الزمن.. وكمان تجهيزها؟!! في ظل سيناريوهات العذاب والحاجة والعوز الذي يعيشه شبابنا؟!! وكيف استطاع هذا الشاب تدبير احتياجات ومتطلبات الزوجية.. بينما قاموسه -وجوفه أيضا - يخلو من كل مرادف لمعنى كلمة.. "لحمة".