قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فى الذكرى العاشرة لقصف بواكيه.. أسرار جديدة فى العلاقة بين فرنسا وإفريقيا

0|أ ش أ

أثار الاحتفال الذى أقيم هذا العام فى بواتييه (وسط غربى فرنسا) بالذكرى العاشرة لمقتل تسعة جنود فرنسيين فى مدينة بواكيه ثانى أكبر المدن فى كوت ديفوار بعد أبيدجان العاصمة العديد من التساؤلات لاسيما فى أعقاب جلسات الاستماع الأخيرة للرئيس الإيفوارى الأسبق لوران جباجبو والسفير الفرنسى فى كوت ديفوار إبان هذا الحادث جيلدا لوليديك.
فى السادس من نوفمبر عام 2004 وقبل عشرة أعوام، أقلعت طائرتان حربيتان من طراز "سوخوى 25" بقيادة طيارين من بيلاروسيا يعاونهما طياران إيفواريان، من مطار العاصمة ياموسوكرو فى طريقهما إلى بواكيه حيث معقل متمردى"القوات الجديدة" التى كان يتزعمها رئيس الوزراء السابق جيوم سورو فى وسط كوت ديفوار إثر فشل محاولة الإطاحة بالرئيس جباجبو. إلا أن إحداهما أطلقت النيران لدى تحليقها فوق مدرسة "ديكارت" حيث أقام الجيش الفرنسى معسكرا حربيا، مما تسبب بمقتل تسعة جنود فرنسيين ومواطن أمريكى بالإضافة إلى إصابة 38 جنديا أخرين.
ووفقا لمجلة "جون أفريك" الفرنسية ، وفى اليوم التالى، سارعت فرنسا بالرد بتدميرها الوسائل الجوية العسكرية لكوت ديفوار التى استخدمت لخرق اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة الإيفوارية والمتمردين، الأمر الذى أثار موجة من المظاهرات المعادية لفرنسا في أبيدجان ومن أبرزها مظاهرة أمام فندق "إيفوار" والتى قمعتها القوات الفرنسية بشدة لتقتل خلالها نحو عشرين شخصا وفقا لما أعلنته السلطات الفرنسية فيما أعلنت كوت ديفوار عن مقتل 57 شخصا على الأقل فى تلك المواجهات الدامية.
ويدور التساؤل حتى يومنا هذا حول من أمر بقصف معسكر بواكيه؟ ولماذا وبناء على أوامر من؟ .. إذ لم تثبت المسئولية المباشرة للرئيس الأسبق لوران جباجبو، مثلما هو الحال بالنسبة للدور الحقيقى الذى لعبه الفرنسيون آنذاك فى هذه الأزمة. ولا يزال الغموض يكتنف المغزى وراء عدم استجواب طياري المقاتلتين "سوخوى 25" لحظة اعتقالهما فى توجو.
وفى يوليو الماضى، رفضت محكمة العدل الجمهورية –وهى الهيئة القضائية الوحيدة فى فرنسا المخولة محاكمة أعضاء الحكومة فى وقائع جرت خلال ممارسة مهامهم– الطلب المقدم من المحامى جون بالون وهو محامى 22 مدعيا بالحق المدنى بينما لا يزال التحقيق فى القضية ساريا تحت إشراف القاضية سابين خيريس. فقد استمعت فى 28 أبريل الماضى إلى شهادة لوران جباجبو أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى، وفى 29 سبتمبر الماضى استمعت أيضا إلى شهادة السفير الفرنسى جيلدا لوليديك. وهى بحق شهادات قد تسمح بإماطة اللثام عن واحد من أخطر أسرار فرنسا-إفريقيا.
ومما لا شك فيه أن وجود "القوات الجديدة" للمتمردين فى بواكيه كان يشكل آنذاك مصدر قلق بالغ داخل الجيش الإيفوارى، إذ قال الرئيس الأسبق لوران جباجبو فى شهادته أمام القاضية الفرنسية سابين خيريس وفقا لما جاء فى محضر الجلسة الذى تمكنت مجلة "جون أفريك" الفرنسية من الحصول على نسخة منه "فى أكتوبر 2003، تلقيت مكالمة تفيد بتقدم وحدة من الجيش نحو مدينة بواكيه حيث معقل المتمردين دون صدور أوامر بذلك".
وأضاف "أبلغنى وزير الدفاع أنه لا يستطيع أن يثنيهم عن رأيهم، ومن ثم ركبت على متن مروحية للذهاب إلى إحدى القرى المجاورة لمدينة بواكيه برفقة وزير الدفاع فى محاولة لإيجاد حل. تناقشنا وفى نهاية الأمر وافقوا على العودة إلى ثكناتهم. بعدها تحدثت مع مختلف القادة الفرنسيين مطالبا إياهم بتهدئة المتمردين تجنبا لحدوث فوضى. إلا أنهم لم يحركوا ساكنا".
وأشار الرئيس الإيفوارى الأسبق فى شهادته إلى أن "الجيش نفد صبره سريعا. وقال لى وزير الدفاع إن الجنود أبلغوه عزمهم الاستيلاء على بواكيه. من جهة أخرى تمكنت طائرة الاستطلاع من رصد مخابىء الأسلحة وأرادت تدميرها، وهو ما كان وزير الدفاع يؤيده بشدة". وبالفعل تمت الموافقة فى "أواخر أكتوبر 2004" على قصف بواكيه، وقرر جباجبو إبلاغ "الشركاء الفرنسيين" بهذا القرار وهو ما لم تنفيه باريس حتى يومنا هذا.
وتبين من مختلف جلسات الاستماع التى عقدت منذ بدء التحقيق أن فرنسا مارست ضغوط على لوران جباجبو لتخليه عن قرار قصف بواكيه، فقد طالب السفير الفرنسى جيلدا لوليديك والجنرال بونسيه رئيس قوة "ليكورن" الفرنسية فى كوت ديفوار فى الثانى من نوفمبر 2004 الرئيس الإيفوارى الأسبق بإرجاء هذا الهجوم.
وقال السفير الفرنسى فى شهادته "أجابنى أن ليس بوسعه شيئا لأنه يتعرض لضغوط كبيرة من العسكريين. ونصحته بالظهور فى التلفزيون إلا أنه لم يوافق على ذلك".
ومساء اليوم ذاته فى تمام الساعة التاسعة، تحدث أحد مستشارى جباجبو على شاشة التلفزيون الإيفوارى مطالبا العسكريين بالتحلى بالصبر ومعلنا ضرورة الدخول فى مفاوضات مع المتمردين. وذكر جيلدا لوليديك أمام القاضية الفرنسية "استنتجت من كل ذلك أن الرئيس كان يوافقنى الرأى وأنه أدرك الموقف".
وفى الثالث من نوفمبر، أجرى الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيفوارى لوران جباجبو الذى تحدث عن تفاصيل تلك المكالمة فى شهادته أمام المحكمة قائلا "سألنى شيراك عن ما أفعله. وعاب على أن أترك الجيش يهاجم المتمردين. قلت له: ألا ترى ذلك أمرا طبيعيا؟ إنهم أناس يخنقوننا فهم لا يحترمون الاتفاقات. وأضيف هنا أنه لم يفعل شيئا لنزع سلاحهم".
ويواصل حديثه "كانت مكالمتنا فى غاية الصعوبة. لا أعلم من الذى أغلق الخط أولا لكنها كانت قاسية للغاية. عرفت لاحقا أن (وزير الخارجية الفرنسى آنذاك ميشيل) بارنييه قال إن شيراك تجاوز فى الحديث وأنه كان لا ينبغى أن يتحدث معى بهذا الشكل".
ولكن هل دفعت مكالمة شيراك الجيش الإيفوارى إلى تنفيذ هجومه سريعا؟ .. بيد أن السفير الفرنسى الأسبق جيلدا لوليديك يرى فى كل الأحوال "كانت هناك مشكلة حقيقية فى التواصل بين الرجلين. وأعتقد أن الأمور كانت ستتغير ما إذا كان شيراك قد تواصل أكثر مع جباجبو الذى لم يكن معاديا للوجود الفرنسى خلافا لما كان يقال".
وغداة مقتل الجنود الفرنسيين فى 6 نوفمبر، تمركز رتل من المدرعات الفرنسية بقيادة الجنرال باتريك ديترمو قادما من بواكيه أمام مقر الرئيس الأسبق لوران جباجبو فى حى كوكودى الراقى فى أبيدجان، واتهم أنصار جباجبو فرنسا بمحاولة الإطاحة برئيسهم. فيما أكد العسكريون الفرنسيون أنه كان من المفترض أن يتجهوا إلى فندق "إيفوار" وليس إلى السفارة الفرنسية مثلما أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية آنذاك ميشال أليو-مارى إلا أنهم ضلوا الطريق.
تلك الرواية جعلت السفير لوليديك فى حيرة من أمره، قائلا "لا أفهم كيف ضلوا طريقهم، هذا الأمر لا يمكن حدوثه"، كما تساءل عن السبب الذى دفع "رتلا مكونا من 30 دبابة للسير فى شارع ضيق" مثل الشارع المؤدى إلى مقر جباجبو. وأضاف أيضا أن "أبواب مقصورة القتال (فى الدبابات) كانت مفتوحة، وهى إشارة لإعلان الحرب فى اللغة العسكرية".
ويبدو أنه تم استبعاد السفير الفرنسى الأسبق فى كوت ديفوار جيلدا لوليديك عن عملية اتخاذ القرار حيث أعلن أن ميشيل دوبونكورس مدير وحدة إفريقيا فى قصر الرئاسة الفرنسى "الاليزيه" أبلغه"فى 6 نوفمبر الساعة الثانية والنصف ظهرا" أن الرئيس الفرنسى أمر بتدمير المقاتلتين "سوخوى25". ويبدى لوليديك دهشته قائلا "تساءلت كيف أمكنه (شيراك) الرد بهذه السرعة وكان ذلك يوم سبت. وملاحظتى الثانية هى : إن جميع من فى باريس من الحمقى، لقد توهمتم أنهم سيهاجمون الشعب الفرنسى". وأكد ميشيل دوبونكورس من جديد أن المسألة جرت بموجب "أمر رئاسي". وبعد ساعات قليلة، علم لوليديك من مكتب جباجبو أن القوات الفرنسية احتلت مطار أبيدجان.