قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فلسفة القوة "من الفرد إلى الدولة"

0|إبراهيم الشهابي

القوة ليست هي العنف.. وإن كان العنف هو أحد اشكال القوة، وتكمن الأزمة عندما يفقد الانسان القدرة على التفرقة بين القوة والعنف، وتلك كانت مشكلة الإنسان فقديماً لم يفهم الانسان ماهية القوة، من افلاطون الى كانط ونيتشه، حتى باتت القوة ممارسة اكثر منها مفهوم متعارف عليه، ومع تطور الفكر الانسانى بدأ جوهر القوة يكشف عن نفسه بعد أن انتقلت القوة من ممارسات الأفراد الى ممارسات الجماعات وانتهت الى ممارسات الدول.

وعندما تشكلت المجتمعات وتطورت أدوات التنظيم الاجتماعي بدأت الفوارق بين القوة والعنف تظهر، فالدولة في حد ذاتها هي جزء من عملية نزع العنف والهمجية والفوضى في المجتمع، لكن قوة الدولة تستند دائماً لمفهوم العدالة، وهذا يفسر لماذا اعتمدت المجتمعات على الدولة في ممارسة عملية التنظيم الاجتماعى، إذ يقول توماس هوبس: تنشأ الدولة نتيجة تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر. حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة، حالة الحرب والصراع إلى حالة المجتمع والمدينة. إن غاية الدولة هي تحقيق السلم والأمن. وذلك بخضوع إرادات الأفراد لإرادة الحاكم وسلطته.

كما يرى هيجل ان الدولة لا تستمد مشروعيتها من مجرد حماية الملكية وتحقيق الأمن والملكية الفردية- كما تؤكد ذلك نظريات التعاقد الاجتماعي- إن أساس الدولة يتمثل في تحقيق الروح الكلية لإرادة المجتمع، حيث تبلغ الحرية حدها الأسمى (لحظة الحرية المطلقة). فحسب هيجل لا يحقق الفرد وجوده الفكري والأخلاقي والاجتماعي إلا بانخراطه ضمن هذه الروح الاجتماعية الكلية والمطلقة (لحظة الوعي المطلق) أو ما يسمى الوعى الجماعى.

السؤال هنا ما الذى يشكل حالة الوعى الجماعى للمجتمع؟، الأجابة هنا تكمن في طبيعة الأجواء التي يخوضها المجتمع والدولة، فالوعى الجماعى ليس الهدف الجماعى، فالثانى دائماً ما يأتي بعد الأول، والمشكلة الكبرى التي تواجهها أي دولة بعد تحقيق مفهومى الأمن والاستقرار هو ترسيخ مفهوم جماعى عن الهوية السياسية والاجتماعية للمجتمع والدولة، وبين المتناقضات والمتغيرات التي تثار أحياناً فإن المشكلة الآن هو في وضع حالة فاعلة تستطيع احتواء الوعى الجماعى في اتجاه واضح المعالم.

هناك النظرية القائمة على فكرة صناعة العدو السوبر الذى يسهم بدوره في توحيد جموع الشعب في مواجه هذا العدو، لكن فهم الأمريكيين أصحاب النظرية أو أشهر مستخدميها على الأقل، لم يكن يعتمد على فكره صناعة العدو فقط، وانما كانت في إطار مشروع امريكى قائم على الحلم الأمريكى ويستهدف تطبيق هذا النموذج على العالم، وهو بذلك يصنع مبداً أخلاقياً يسعى من خلاله الى صناعة توجه للمجتمع يستتبع بالضرورة التوحد من أجل بقاءه، وهذا ما مكن أمريكا من تمرير أهدافها الأستراتيجية من خلال مظله وهمية من شعارات حقوق الأنسان على مدار القرن العشرين والقرن الحادى والعشرين.

النمط السوفيتى والذى انطلقت على خلفيته الجيواستراتيجية دولة روسيا الاتحادية يقوم على فكرة إعادة انتاج مشروع الدولة العظمى في مواجهه خطر التفكك نتيجة الألعاب الامريكية في محيطها الجغرافى المباشر، وهنا استطاع الروس أن يضعوا هدف جماعى من زاوية وجود العدو السوبر، وفى الاطار نفسه فإن استعادة صورة الهيبة السوفيتيه هو جزء من الحلم الجماعى للروس كشعب وكأمه .
المقارنة بين النموذجين الأمريكي والروسي يؤكد فكرتين أساسيتين وهما أن الوعى الجماعى والذى ينتج عنه الهدف الجماعى هو من يصنع الحالة السياسية والتي تأخذ اشكال ديمقراطية وممارسات مستقره على أرض الواقع، وبدون الهدف الجماعى الناتج عن الوعى تكون الديمقراطية هي مجرد صراع عدمى بلا هدف وبلا مضمون.
ا
لإشكالية الحقيقة هي في الكيفية التي تستطيع بها الدولة الانتقال السلس الى ترسيخ الوعى الجماعى والانتقال منه الى هدف جماعى معروف، خاصة في ظل حقبه عالمية بدأت فيها الشعوب بشكل مباشر وغير مباشر عبر وسائل التكنولوجيا الى المشاركة بفاعلية في تشكيل هذا الوعى الجماعى والاتفاق والاختلاف مع الهدف الجماعى ايضاً.

يخطئ من يتصور أن السياسية ومؤسساتها الحزبية يجب أن تكون خارج السياق الجماعى للمجتمع، فالنظام السياسي لأى دوله هو جزء من عملية تنظيم التعبير داخل المجتمع، وكذلك ضمان عملية المشاركة الواسعة من القيادات الطبيعية في المجتمع في مجمل حركته، وهو ايضاً ما يضمن مشاركة كبيرة من المواطنين في كل التفاعلات السياسية بشكل بناء وليس شكل فوضوي ينتقل بطبيعة الحال الى تدمير سلبى وليس انتقاد موضوعى ينتقل مع الوقت الى مشاركة فعاله في القرار.

اكبر خطر يمكن ان يواجه أي أمة هي ان يفتقد جمهورها حالة الوعى الجماعى تدريجياً لأن ذلك يستتبع افتقاد الهدف العام، خاصة إذا لم يمتلك الجمهور القدرة على ممارسة أليات الرأي والرأى الآخر، ولهذا دائماً ما يواجه الحاكم في عمليات الانتقال الصعبة من مرحلة الفوضى الى مرحلة الاستقرار والبناء، ضرورة احياء الوعى الجماعى بصورة اعمق وأبعد من مرحلة الوعى في مراحل الصراع السياسي، فإذا كان للصراع أداوته فإن للبناء أدوات مختلفه تماماً، والبناء يحتاج الى دولة قوية وعادله وناجزه في تحقيق الاثنين.

إن القوة هي امتلاك قدر من معطيات الواقع، والسيطرة عليها واستغلالها في محيط مباشر أو غير مباشر، وهى باشكالها الصلبة والناعمة تعتبر العماد الرئيسي لفكرة الدولة، والتي يرتبط بها نظام اجتماعى ينتج عنه نظامين سياسي واقتصادى، وتكمن أهمية الوعى الجماعى في أنه يصنع الحال الاجتماعى الذى يؤثر في النظامين السياسي والاقتصادي، وكذلك فإن عدم وضوح وعى الجماعى لدى افراد المجتمع سيجعل من الحالة السياسية في صراع دائم أو انبطاح كامل للنظام الاقتصادى.

أن الدولة الذكية تهتم بتقوية وتأطير الممارسة السياسية، فالسياسية التي تعبر عن الوعى الجماعى للأمة تكون هى المرجح في معادلة الصراع مع جماعات المصالح من جهه ومع الاخطار الخارجية وانعاكساتها الداخلية، فالفارق كبير بين منطق القوة ... وقوة المنطق ... الأول ينتج التأثير والثانى يؤدى الى الإقناع.. واجتماعهما معاً يؤدى للسيطرة.