حقيقة وقوف «إبليس» خطيبا يوم القيامة فى أهل النار

أخبرنا الله تعالى فى كتابه العزيز عما سيخاطب به إبليس أتباعه بعدما سيقضى الله تعالى بين عباده، وأنه سيقوم -إبليس- خطيباً فيهم ليزيدهم حزناً إلى حزنهم وحسرةً إلى حسرتهم، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، سورة إبراهيم: آية 22.
وقال الإمام محمد متولي الشعراوي، في تفسيره للآية الكريمة، إن المقصود من قول الله تعالى: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ»، فقضاء الأمر يعني أن يذهب كل إنسان إلى مصيره فمن كان من أهل الجنة دخلها ومن كان من أهل النار دخلها، وسيفضح الشيطان نفسه ويقول أن وعد الله حق؛ لأنه وعد بما يملك، أما وعده فقد اختلف؛ لأنه وعد بما لا يملك وهو وعد كاذب، لأن الحق سبحانه هو الأمر الثابت الذي لا يتغير، ويحاول الشيطان أن يبرئ نفسه رغم علمه أنه قد وعد وهو لا يملك إنفاذ ما وعد به ولذلك يحاول أن يلصق التهمة بِمن اتبعوه.
وأضاف الشعراوى فى تفسير الآية أن معنى قوله جل وعلا: «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ»، والسلطان إما سلطان قَهر أو سلطان إقناع وسلطان القَهر يعني أن يملك أحد من القوة ما يقهر به غيره على أن يفعل ما يكره ، أما سلطان الحجة فهو أن يملك منطقاً يجعلك تعمل وفق ما يطلبه منك وتحب ما تفعل.
وأوضح إمام الدعاة أن المراد من قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ»، هو اعتراف من الشيطان للبشر يوم الحشر الأعظم ويقول هل كان لي سلطان قَهري أقهركم به؟ فلا تتهموني ولا تجعلوني "شماعة" تعلقون عليها أخطاءكم فقد غويت من قبلكم وخالفت أمر ربي ولم يكن لي عليكم سلطان سوى أن دعوتكم فاستجبتم لي وكل ما كان لي عندكم أني حركت فيكم نوازع أنفسكم وتحركت نوازع أنفسكم من بعد ذلك لتقبلوا على المعصية، ويعلن الشيطان أنه ليس الملوم على ذلك فالملوم هنا هو من أقبل على المعصية لا من أغوى بها.
وتابع: «أن كيفية معرفة المعصية إن كانت من الشيطان أم من النفس، إذا وقفت النفس عند معصية بعينها وكلما أبعدها الإنسان تُلح عليه فهذا هو ما تريده النفس من الإنسان حيث تطلب معصية بعينها، أما نزغ الشيطان فهو أن ينتقل الشيطان من معصية إلى أخرى محاولاً غواية الإنسان إن وجده رافضاً لمعصية ما انتقل بالغواية إلى غيرها لأن الشيطان يريد الإنسان عاصياً على أي لون.
وبين أن قوله عزوجل: «مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، فالصرخ هو رفع الصوت بغرض أن يسمعه غيره، أى ويعلن الشيطان في اليوم الآخر أنه ومن أغواهم في مأزق وأنه غير قادر على إزالة سبب هذا المأزق ولا هم بقادرين على إزالة سبب مأزقه ولن يُغيث أحدهما الآخر فأنتم أشركتموني مع الله في الطاعة حين استسلمتم لغوايتي ولم تكونوا من عباد الله المخلصين الذين أقسمت أنا بعزة الله ألا أغويهم وكل منكم نفذ ما أغويته به فناديتكم واستجبتم وناداكم الله فعصيتم أو كفرتم وصرتم مثلي فقد سبق لي أن أمرني الله وعصيت فإن الظالمين لأنفسهم بطاعتهم لى لهم النار خالدين فيها جزاءً لهم.