الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى تحرير سيناء.. «نصر سالم» يكشف أسرار الـ22 يوما قبل حرب أكتوبر.. ويكشف عن الجزء المخفى من «جبل الجليد»

صدى البلد

رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق:
كنت أول قائد مجموعة عملت خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما
القيادة الإسرائيلية «صُدمت» من جهاز الاستطلاع المصري حيث كشف المواقع الحصينة للجيش المصرى
أهالي سيناء يتميزون بالوطنية والشجاعة وإنكار الذات وكان لهم دور كبير في النصر
كنت أنفذ دوريات استطلاع أثناء حرب أكتوبر وإبلاغ تحركات العدو للقيادة المصرية في 25 أبريل من كل عام، تحتفل مصر بذكرى تحرير «أرض الفيروز» سيناء، من الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم تحرير الأرض والتي خاضت مصر العديد من الحروب على مر التاريخ للمحافظة عليها في عام 1982، واكتمل التحرير بعودة طابا عام 1988، حيث قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي باحتلال سيناء كاملة بعد حرب يونيو عام 1967، ومن بعدها، انطلقت الكفاح المسلح بين الجيش والشعب في حرب الاستنزاف، وانتهت الملحمة الكبرى في نصر أكتوبر 1973.
وبعد نصر أكتوبر، بدأت معركة أخرى، وهي «المعركة الدبلوماسية» بين مصر وإسرائيل، وكانت بدايتها المفاوضات للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية عام 1974 وعام 1975، ثم بعد ذلك مباحثات «كامب ديفيد»، التي أفضت إلى إطار السلام في الشرق الأوسط، وبعدها تم توقيع معاهدة السلام «المصرية – الإسرائيلية» عام 1979.
وتتميز سيناء بمكانتها الجغرافية وتاريخها الواسع، فلقد ضحى من أجلها آلاف المصريين لكي يحافظوا على أغلى بقعة في الوطن، ينظر إليها العدو بنظرة «المفترس»، نظرا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي، حيث إنها المفتاح لموقع مصر العبقري في قلب العالم بقارته وحضارته، هي محور الاتصال بين آسيا وأفريقيا، وبين الشرق والغرب.
والمعروف عن سيناء أنها البوابة الشرقية لمصر، وحصن الدفاع الأول عن أمن مصر وترابها الوطني، وهي الآن البيئة الثرية بكل مقومات الجمال والطبيعة والحياة برمالها الذهبية وجبالها الشامخة وشواطئها الساحرة ووديانها الخضراء وكنوز الجمال والثروة تحت بحارها، وفي باطن أرضها من «نفط ومعادن»، فهي التاريخ العريق الذي سطرته بطولات المصريين وتضحياتهم الكبرى لحماية هذه الأرض.
وفي إطار مرور الذكرى الـ34 علي تحرير سيناء، قام موقع «صدى البلد» بإجراء حوار مع اللواء أركان حرب نصر سالم، رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق.. وإلى نص الحوار:

ما كان دورك في نصر أكتوبر 1973؟
انضممت للكلية الحربية عام 1968 وتخرجت فيها عام 1970م، وفور تخرجي، عملت بجهاز الاستطلاع، وكنت ملازما أول وقت قيام حرب أكتوبر 1973م، وكانت وظيفتي الرئيسية هى جمع المعلومات وتقديره للموقف عن العدو من خلال معرفة نقاط قوته وضعفه، وبهذه المعلومات تكون تحصل على 70% من نتائج الخطة، والاستطلاع دائما يعطى المعلومات للرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة لتقدير الموقف وإصدار القرار المناسب فى الوقت المناسب، لأن طبيعة الضباط والصف ضباط والجنود الذين يعملون فى جهاز الاستطلاع لابد أن يكونوا على درجة عالية من الدقة فى الأداء لأن طبيعة العمل لا تتحمل الخطأ وإلا سوف يتعرض كل افراد المجموعة إلى الخطر.
وخلال فترة الحرب التى ظلت 22 يوما، أكدت صحة ودقة المعلومات التى قدمتها مجموعات الاستطلاع عن العدو قبل الحرب من خلال الملاجئ والمعدات ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن الساتر الترابى "خط بارليف"، لأنها كشفت الأوضاع الداخلية للعدو فأصبحت الضفة الشرقية للقناة كتابا مفتوحا للقيادة العامة للقوات المسلحة.
كم يوما عملت فى جمع المعلومات خلف خطوط العدو؟
كنت أول قائد مجموعة عملت خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما، وكنت أجمع المعلومات عن أهم تحصينات ومواقع العدو الاستراتيجية، والحمد الله أن جميع المعلومات التى تم إعطاؤها للقيادة العامة للقوات المسلحة ساعدت بنسبة 100% فى توجيه ضربات لأهم الحصون والدشم ونسف مطاراته، خاصة " تمادة".
هل كنت تعرف بميعاد الحرب؟
لم أعرف ميعاد الحرب لأننى كنت مكلفا بمهمة إستطلاع لمدة 7 أيام يوم 6 أكتوبر، وعلمت بنجاح الضربة الجوية وعبور القوات أثناء قيامى بالصعود إلى الطائرة برفقه مجموعتى لتنفيذ المهمة المكلف بها، فوصلنا إلى المكان فوجدناه محاط بسلك شائك، وتم اختراق السلك، وصعدنا إلى أعلى نقطة فى الجبل وبدأت تظهر معالم الموقع، فكان به مطار إسرائيلى ولواء مدرع، وتم إرسال جميع المعلومات عن الموقع بكل تحصيناته إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، وتم إرسال الطائرات التى قصفت الموقع والمطار.
وكانت صدمة قادة إسرائيل بأن قالوا إن أجهزة الاستطلاع المصرية جعلت سيناء والمواقع الحصينة للعدو كتابا مفتوحا أمام الجيش المصرى، وأن أجهزة الاستطلاع بقيت فى سيناء منذ يونيو 1967 م وحتى أكتوبر 1937 م وما بعدها، يقبت العناصر ويتم تغييرها باستمرار، وكان بفضل هؤلاء من خلال إعطائهم المعلومات عن كل صاروخ ودانة مدفع وقذيفة سبقها بلاغ من عناصر الاستطلاع لأنهم "الجزء المخفى من جبل الجليد".
ولقيت تعاونا من أهالى وشيوخ وعواقل سيناء طوال خدمته خلف خطوط العدو، وكانوا يتميزون بالوطنية والشجاعة وإنكار الذات مع وجود القلة الفاسدة يتم الإبلاغ عنها بواسطة الشرفاء منهم.
ولما أعادوا سيناء إلى أحضان الوطن أنها محفوظة بعين الله وبفضله وبأيدى أبناء القوات المسلحة، ولن يفرطوا فيها لأنها عادت بدمائنا الذكية، وهى أمانة فى أعناق هذا الجيل ومن بعده الأجيال القادمة.

أهم المواقف الصعبة التى تعرضت لها ؟
هناك العديد من المواقف الصعبة التى وضعت فيها بطبيعة عملى، ومنها كيف أتصرف فى أسبوع ومعى 3 زمزميات مياه، وفى أحد المهام التى كلفت بها أثناء سيرى اكتشفت على الخريطة أنه يوجد لسان صخري من الجبال الوعرة فى زمام موقع العدو، فقمت باختيار أعلى نقطة وتسلقت وكانت مفاجأتى أنها قريبة من موقع العدو، فبعد أن صعدت إلى الجبل كنت فى قلب موقع العدو وأن برج المراقبة قريب منى جدا، بعدها شعرت بأننى ميت، ولكن أصررت على استكمال مهمتى، وطلبت الشهادة ثم قمت بنقل المعلومات فى 3 دقائق، وأثناء إرسالها كانوا قريبين منى، ولكنهم لم يكتشفوا أمرى وحمدت الله على تأدية المهمة بنجاح على الرغم من صعوبتها.

كيف ساعد بدو سيناء رجال الاستطلاع في عملهم؟
بدو سيناء لديهم روح وطنية عالية وكانوا يرفضون الاحتلال الإسرائيلي رغم محاولة الإسرائيليين الدائمة للضغط عليهم لعدم مساعدتنا أو أن يكون لهم ولاء لغير مصر، تارة بالإغراء المادي وتوفير الكثير من حاجاتهم، وتارة أخرى بالتعذيب والتنكيل بهم ليخافوا ولكنهم "أبوا" ذلك وتحملوا وقدموا لنا جميع المساعدات الممكنة لإعاشتنا وإخفائنا عن أعين مخابرات العدو ودورياته، وبدو سيناء مازالت تربطني بهم حتى الآن علاقة جيدة وأثناء عملي.
وكنت حريصًا على أن أظهر كواحد منهم في العادات والملابس وكل شيء، وقد دعمنا شيوخ القبائل بالإمداد بالدقيق الذي كنا نعجنه بالماء وكنا نخبزه على الشمس ونأكله، والماء والملابس البدوية.
ما هي الأماكن التي كلفت بالاستطلاع فيها؟
كنت أنفذ دوريات استطلاع من أعلى الجبال وأتخفى بين الصخور في منطقة عيون موسى وسدر الحيطان وجبل المر، وبعد عبور الجيش المصري إلى الضفة الشرقية ورغم تحقيق الانتصارات، مهمتنا لم تنتهِ، بل كنا نقوم بإبلاغ القوات العابرة بأوامر القيادة في الأماكن التي كان يصعب فيها الاتصال، خصوصًا عند تغيير بعض الخطط، ومن الصور التي لا أستطيع نسيانها صباح يوم 8 أكتوبر عندما قام الطيران الإسرائيلي بعمل هجمات مكثفة ضد وحدات الدفاع الجوي وقصف إحدى السرايا بقنابل زمنية وقنابل الـ"بلي" المحرمة دوليًا.
وكانت مهمتي هي إبلاغ قائد السرية بسرعة الإخلاء والمناورة إلى موقع آخر تبادلي مع اتباع جميع التعليمات والإجراءات الخاصة، وبناءً على ذلك قام قائد السرية بالإخلاء حسب التدريبات التي قام بها قبل الحرب إلى موقع آخر بديل.


-