الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستفيدون من الهجرة


أفضل نواتج مجانية التعليم من الخبرات البشرية والتى خاضت أيضًا تجربة الحرب، تم التفريط فيها فى شكل الإعارات الى دول الخليج خلال العشرين سنة التى أعقبت اتفاق كامب ديفيد، وتحت يافطة الانفتاح هاجرت الطاقة البشرية الكامنة من مصر، خرج الأطباء والمعلمون والمهندسون وأساتذة الجامعات والعلماء وحتى عمال البناء.

يقول علماء الاجتماع إن هناك فوائد للحرب، فبعد الحرب تُخرج جيوشا كاملة من العمال والفنيين والأطباء والمهندسين.. وهى قادرة على تحقيق طفرة ونمو اقتصادى كبير، وهذا يفسر قدرة الدول المحاربة على تجاوز عثرات الحرب وأعبائها خلال فترة عقد أو عقدين.

حاربنا في أكتوبر 1973، ولم نحصل على فوائد الحرب اجتماعيًا، وأدت عملية التهجير للخبرات والكوادر، إلى تفريغ النظام الاجتماعى الذى تأسس بعد ثورة يوليو 1952.

هاجرت الطاقات العلمية كاملة، وجلست مصر فى مقعد بعيد تشاهد التطور الحضارى في العالم، كان العلماء المصريون في أوروبا وأمريكا يمارسون أدوار بناة الحضارة، والمهندسون والأطباء والمعلمين وعمال البناء يبنون في الخليج، وظلت مصر تنتظر تحويلات العاملين في الخارج، وكأن هذا البلد بات مقاول أنفار كبير.

10 ملايين مصري خارج مصر، وتساءلوا عن التجريف الاجتماعى والسياسي والاقتصادي، السؤال هنا.. ماذا فعلنا بتحويلات المصريين من الخارج، سوى اننا استوردنا أكثر، وبنينا بالطوب الأحمر على الاراضى الزراعية، ورفعنا عدد الميكروباصات.

في كل بيت مصري هناك مسافر هاجر تحت غطاء الإعارة، لذلك من الطبيعى أن تجد المصريون نفسيًا متعلقون بحبل الغربة، حكاوى أهلنا في الريف بتتكلم عن اللى سافر ورجع معاه فلوس، اتجوز وجاب عربية.

هذا يجيب على سؤال لماذا يسافر الشباب في مغامرة خاسرة للهجرة بطريقة غير شرعية؟
هناك أجيال كاملة.. تعودت الى النظر خارج الحدود، وعلينا أن نعيد لها بصرها المصرى، الوادى الضيق بات يدفع للهجرة، فلنجعلها هجره داخلية، إلى كل أنحاء مصر.

مجتمعنا في حاجة إلى فرص بناء جديدة ومدن جديدة، لا يوجد بها بناء عشوائى، وبها مرافق حقيقية، وفرص عمل متنامية، وهذا يمكن تحقيقه في مصر.

نستطيع الآن أن نمنح أنفسنا فرصة للعودة الى العالم، لدينا القدرة الكاملة في إعادة التوزيع الجغرافى للسكان على أسس اقتصادية سليمة قوامها الإنتاج والبناء.

لدينا القدرة على إحياء كل الاقتصاديات الحياتية المصرية الطبيعية، بداية من اقتصاديات الريف المصري حتى (الجبنة القريش) وصولًا الى تطوير عمل الحرفيين فى مصر، ليتطور ويصبح ورش إنتاجية صغيرة الحجم.

كنز مصر الحقيقى في الاقتصاد غير الرسمي، يحتوى هذا الاقتصاد الخفى على مئات الآلاف من رواد الأعمال، وهم وحدهم الذين لديهم القدرة على خوض غمار التحدى الاقتصادى الحقيقى بمشاريع صغيرة قادرة على تحقيق تنمية حقيقة، وتلعب دورها الطبيعى في الاقتصاد الرسمي.

نستطيع أن نفكك التشابكات الإدارية التي عوقت لفترة طويلة مرونة الاقتصاد وقابليته للتمدد.

ولدينا القدرة من جديد على أن ننتج بالحراك الاقتصادي نخب تجارية وعلمية وصناعية معاصرة.

نستطيع أن نفعل الكثير.. إذا أطلقنا الحريات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع والذى يعنى تكافؤ الفرص.

سننجح إذا تخلصنا فقط من ثقافة احتقار الذات واستعدنا ثقتنا في أنفسنا.. لأن من يسعى الى إفقادنا الثقة في ذاتنا.. هم أنفسم المستفيدون الحقيقيون من الهجرة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط