الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد صبري يكتب: مواجهة تأجلت 40 عامًا.. هل يغامر «السيسي» بشعبيته؟

احمد صبري رئيس تحرير
احمد صبري رئيس تحرير موقع صدى البلد

  • أحمد صبري رئيس تحرير موقع «صدى البلد» يكتب:
  • رفع الدعم طالبت به الحكومات والخبراء ولكنه ظل حبيس الأدراج 40 عاما
  • الحكومات السابقة كانت تخشى رفع الدعم حتى لا تتآكل شعبيتها وخوفا من أصحاب المصالح والفاسدين
  • السيسي يمتلك القوة لاتخاذ قرارات جريئة ولا ينظر لمصالح ضيقة وإجراءات لحظية وفضَّل مصلحة مصر
  • أنهى الانبطاح لأمريكا ودك الإرهابيين في ليبيا عقب ذبح المصريين هناك
  • تعويم الجنيه ورفع الدعم ليسا الإجراء الرئيسي لتتجاوز مصر أزمتها ولكنهما أحد العناصر المهمة
  • مطالب عاجلة:
  • شرح الحكومة للقرارات وما سينتج عنها بشفافية حتى يشارك الشعب فى تحمل المسئولية
  • إحكام الرقابة على الأسواق ووضع قوانين رادعة لمحاكمة المتاجرين بقوت الغلابة
  • الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من أجل التصدير سريعا
  • إعادة فتح المصانع وإنشاء أخرى وإقامة مناطق صناعية بالمحافظات
  • حزمة إصلاحات كبيرة وسريعة تشمل رفعا كليا للدعم.. وتحويله إلى مادي لمحدودي الدخل
  • الجراحة دائمًا مؤلمة ولكنها الحل الوحيد ليستعيد المريض عافيته دون الحاجة للمسكنات
منذ عرفت طريقي إلى بلاط صاحبة الجلالة فى السنوات الأخيرة من القرن الماضي، وأسمع كثيرا من جانب الصحفيين والمسئولين وخبراء الاقتصاد والسياسة وحتى أصحاب المقاعد البارزة فى الحكومات المتعاقبة عن ضرورة تقليل الدعم الذي يرهق الحكومة ويلتهم ميزانية الدولة ويصب فى النهاية فى صالح الأغنياء أكثر من محدودي الدخل ومستحقيه الحقيقيين، وطالبت جميع الأقلام البارزة فى عالم الصحافة ومذيعو التوك شو والخبراء بضرورة تغيير المنظومة الحالية وإعادة النظر فى الدعم، إلا أن الأمر كان يتوقف دائما عند تلك الخطوة، مجرد قرارات تظل حبيسة الأدراج دون جرأة من مسئول حقيقي أو رئيس وزراء طيلة 40 عاما على اتخاذ قرار لصالح الغلابة.. قرار ربما يكون «دواءً مرا» ولكنه علاج للكثير من المشكلات، قرار يعيد توزيع موارد الدولة للمحتاجين من أهالينا فى هذا البلد الذي عانى كثيرا من قرارات مؤقتة وعلاج لحظي خشية الأصوات العالية لتتفاقم من بعدها المشكلات بشكل أكبر، فى كل مرة كان يظل قرار هيكلة الدعم مجرد «تصريحات رنانة» دون تنفيذ.. كان الخوف دائما شعار كل مسئول تطأ يداه تلك الأدراج، خشية أن يترك مقعده الذي لن يدوم، أو تحمل أعباء تلك القرارات الجريئة، أو تآكل شعبية الحكومات، أو تخوفا من أصحاب المصالح والفاسدين الذين يجدون في هذه المنظومة السبيل لجني الأموال وجمع الثروات تحت مسمى الغلابة ومحدودي الدخل والمحتاجين.

هل السيسى يغامر بشعبيته؟
اتخاذ القرار كان يحتاج إلى شخص يتحمل المسئولية ولا يهمه سوى مصلحة هذا الوطن، وهو ما حدث الخميس الماضي من قرارات بتحرير سعر الصرف ورفع أسعار البنزين والوقود، تلك القرارات التي ربما أصابت الشعب المصري بالذهول والتفكير للحظات لجرأتها ولأننا شعب لم يعتد على «القرارات الجريئة»، خصوصا فى هذا الوقت الذي ينادي فيه أعضاء الجماعة الإرهابية بالنزول فى 11 نوفمبر.. تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود فى هذا الوقت يطرح العديد من الأسئلة المهمة والضرورية والتي تدور فى أذهان الكثيرين.. هل يغامر السيسى بشعبيته؟ ولماذا اتخذ هذه القرارات فى هذا التوقيت؟

تضميد الجراح رغم الألم
بالتأكيد؛ إن إقدام صاحب القرار على هذه الخطوة فى هذا الوقت تحديدا له ضرورة لا تسمح بالتأجيل ولو ليوم واحد.. فالسيسى فضل مصلحة البلد عن قرارات لحظية تُشعر المواطن بالارتياح لأيام وتدخله الإنعاش ما تبقى من حياته، مصالح ضيقة كان يلهث وراءها غيره من الرؤساء السابقين، خاصة «أبو علاء» الذي لم يجرؤ طيلة 30 عاما ولو للحظة على اتخاذ مثل هذا القرار وكانت العلاجات المؤقتة وتضميد الجراح رغم الألم هي طريقته المثلى للحفاظ على مصالح «الأسرة الحاكمة»، وبالأخص شعبية «جمال» حتى يمهد له الطريق للخلافة.

بطل الأفيش 
أعقبت قرارات «الخميس الماضي» حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوالت السخرية «واللايك والشير» بين النشطاء الذين احترفوا الجلوس للتنظير فقط دون التفكير فى جدوى ما حدث، وتباروا فى السخرية والحديث والجدل وكأننا أصبحنا جميعا خبراء فى التعويم والاقتصاد والبورصة، والدولار «بطل الأفيش» وكله بينظر وشايف دماغه صح، وبالنظر للمعترضين ستجدهم أول من نادوا بضرورة توجيه الدعم لمستحقيه بدعوى أن ثروات البلد تنهب من قبل الأغنياء، ولكن تحولت موقع التواصل الاجتماعي إلى «قاعدة عربي» والكل صوته عالي وهو اللي فاهم ودارس والعملة الصعبة لعبته تحت شعار «امشي مع الموجة».

أنا ومن ورائي الشعب المصري
موجة من التنظير ضد قرارات رجل خاطر بحياته من أجل هذا الوطن، وضع نفسه دائما فى المقدمة لحماية الشعب، رجل لم يتوان أن يغامر بحياته ولم يفكر للحظة أيام الرئيس «الهفأ» مرسي ليعلنها صراحة «أنا والجيش إلى جانب المصريين»، لم يتأخر لحظة النداء والاستدعاء، لم يتوان فى الوقوف ضد دول عظمى كانت تسعى لوضع سيناريو نهاية مصر فى أوقات عصيبة، لم يتوان ولو للحظة فى الذهاب إلى معظم دول العالم ليكشف الحقائق ويعلنها صراحة «أنا ومن ورائي الشعب المصري كله»، لم ينتظر ساعات عندما تم الاعتداء على إخوتنا المصريين فى ليبيا ليخرج فى صباح اليوم نفسه ويدك حصون الجماعات الإرهابية فى ليبيا ويعلنها صراحة «للشعب جيش يحميه»، وفى سد إثيويبا التي لم تتوان فى استغلال ضعف الدولة فى أوقات صعبة مرت على الوطن وقف السيسى ليحذرهم صراحة: «النيل بالنسبة للمصريين حياة أو موت».. أنهى السيسى نظرية التبعية الأمريكية «الانبطاح» ليؤكد أن لمصر سيادة ليغير الدفة إلى قوى عظمى أخرى مثل الصين وروسيا، حمل الشعب الإسرائيلي مسئولية السلام فى كلمته الشهيرة بالأمم المتحدة، شق قناة السويس الجديدة بأموال المصريين، لم يتوقف عن البناء منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها المسئولية «كل مواطن سيحصل على شقة من الحكومة»، صعوبات وقوى خارجية كانت تقف عائقا إلى جانب قوى الشر «راجع حادث الطائرتين والحوادث الإرهابية» لتعرقل خطوات الرجل السريعة ولكنه فى كل مرة كان أقوى من التحدي والإرهاب، مستندا إلى الشعب الذي يقف خلفه ويدعمه . تلك القوى الملهمة التي يدركها السيسى جيدا ويعمل من أجلها ومن أجل الأمانة التي حملها على عاتقه، ليخطو سريعا لبناء وطن تراكمت عليه مشكلات السنوات وجعلته عجوزا رغم إمكانياته وقوة شبابه.

قرارات جريئة
السيسى يمتلك القدرة والقوة والجرأة التي يحتاجها الوطن فى اتخاذ القرارات فى الوقت الصعب، فمنذ أن أصبح رئيسا واختار الطريق الصعب للإصلاح الشامل وتشييد المشروعات القومية الحقيقية، حيث عجز سابقوه عن تنفيذ مشروع واحد منها فى عشرات السنوات.. تلك القرارات الجريئة التي كان آخرها رفع الدعم تدريجيا عن المواد البترولية، تلك الخطوة التي تأخرنا فيها كثيرا حتى أصبحنا من أواخر الدول التي تتخذها، ملحوظة «سيارات السفارات والأغنياء وغيرهم ممن يمتلكون الملايين كانت قبل منتصف ليل الخميس الماضي بتفول على حسابك وبتحصل على دعم الدولة فى البنزين».

حافة الهاوية
مبارك كان لديه بعض المزايا ولكن الأكيد أنه خلَّف تركة ثقيلة وصعبة، بلد بلا صحة ولا تعليم ولا طرق ولا مشروعات اقتصادية عملاقة.. بلد على حافة الهاوية ليس لديه سلعة واحدة يعتمد عليها فى التصدير، بلد مثقل بالديون والاعتماد على الخارج فى «قوت يومه» حتى بلغت فاتورة الدعم 140 مليار جنيه، إلى جانب السيطرة والانبطاح لأمريكا فى كل شىء.. وفشل فى القضايا الرئيسية التي تهدد أمن الوطن، منها تجاهل دول حوض النيل خاصة أثيوبيا وما نتج عنها من ازمة سد النهضة والسودان والقضية الفسلطينية وغيرها من القضايا الخارجية.. السيسى يحاول بكل قوة استعادة دور مصر خارجيا بالتوازي مع تحقيق نهضة اقتصادية على خطى دول استطاعت تحقيق ذلك وأصبحت نمورا آسيوية وقوى اقتصادية كبيرة مثل اليابان سنغافورة والصين وغيرها والتي أصبحت تربطها شراكة قوية بمصر، رغم ما يتعرض له الرجل من قوى - من الداخل أو الخارج - تحاول وقف خطواته السريعة وتدبير المؤامرات والعراقيل.

الدعم المادي
جميعنا يعلم جيدا وبدون مواربة أن استمرار مصر بدون إصلاحات اقتصادية قاسية يعني مزيدا من الديون والتضخم والنمو البطيء الذي «لا يسمن ولا يغني من جوع»، فمصر تحتاج إلى خطى سريعة لتستعيد المكانة التي تستحقها بإمكاناتها الكبيرة من مواد تعدين وسياحة وثقافة وقوة شبابها وغيرها.. كذلك علينا أن ندرك أن تحرير سعر الصرف ليس الإجراء الرئيسي لتتجاوز مصر أزمتها ولكنه أحد العناصر المهمة ضمن حزمة إصلاحات كبيرة وسريعة سيعقبها بالتأكيد رفع كلي للدعم والاستعاضة عنه «بدعم مادي» وهو ما نادى به الكثيرون من قبل ليصل لمستحقيه.

الحماية الاجتماعية والاعتماد على التصدير
وسط كل ما يحدث من إجراءات.. فعلى الحكومة أن تشرح للمواطنين بشكل شفاف كل الإجراءات والقرارات وما سينتج عنها والهدف منها للمواطنين بشكل واضح وجلي حتى يشارك الشعب فى تحمل المسئولية.. إلى جانب القيام بإجراءات الحماية الاجتماعية التي تعتبر ضرورية لحماية الفئات الأقل دخلا والبسطاء، فضلا عن ضرورة وجود رقابة حاسمة فى كل شوارع مصر وقوانين رادعة على التجار والمحتكرين والفاسدين ومحاكمات سريعة ليكونوا عبرة لمن يحاول الطمع فى قوت هذا الوطن والاستيلاء على موارده دون حق، كذلك تشجيع الصناعات بشكل كبير والقضاء على البيروقراطية وإعادة فتح المصانع وتشييد أخرى جديدة، وإنشاء مناطق صناعية بجميع المحافظات، والاعتماد على المشروعات الصغيرة وسلع أساسية نستطيع تصنيعها وتصديرها إلى جانب المشروعات الضخمة والقومية.. وترويج المنتج المصري عالميا لنتخطى الأزمات سريعا.

لحظة التقاط الأنفاس
الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق بين يوم وليلة وتبعاته سيتم تجاوزها قريبا، ولكن علينا جميعا أن نلتقط أنفاسنا ونجيب عن عدة أسئلة ونحن نجلس خلف «الكيبورد» قبل أن نكتب رأينا فيما يحدث.. هل يمكن أن يغامر السيسى بشعبيته؟ أم أنه يتخذ قرارات تصب فى النهاية لصالح مصر مهما كلفه ذلك.. هل نثق فى قرارات هذا الرجل وعلينا الوقوف خلفه لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها الوطن داخليا وخارجيا؟ أم نساعد الجماعة الإرهابية فى مخططها الذي انكشف جزء منه خلال اجتماعهم الأخير في تركيا والرامي إلى انتهاز فرصة إجراء هذه الإصلاحات لإحداث إرباك في مصر والانقضاض عليها مجددا مثلما حدث في ثورة يناير، وتجهيز قائمة اغتيالات لشخصيات عسكرية وأمنية وقضائية وإعلامية؟ علينا جميعا أن نفكر بعمق فالجراحة دائما مؤلمة، ولكنها كثيرا ما تكون الحل الوحيد ليستعيد المريض عافيته وصحته من جديد دون الحاجة لمسكنات وقتية.