د/ على ثابت يكتب : الامن والاستثمار.... الى أين ؟

قديماً قالوا أن رأس المال جبان وهو تعبير بسيط يختصر قضية فى غاية الخطورة وهى قضية الامن والاستثمار فى العالم , واليوم بعد ثورة يناير نحن بحاجة الى مراجعة اولوياتنا فالكل مشغول بالحصول على نصيبه من مصر ومن مكاسب الثورة متناسين ان هناك بلد قائمة على نشاط أقتصادى للاسف حاله يزداد سوءاً يوماً بعد يوم , فالاحتياطى النقدى يتأكل كل شهر تحت ضغط الورادات وتوقف الايرادات من العملة الصعبة نتيجة انخفاض عائدات السياحة و تراجع الصادارات مما ينذر بثورة جياع حقيقية تأكل الاخضر واليابس ان لم نتق الله فى وطننا ونضع الاقتصاد وتحسين وضعه المتدهور على اول سلم الاوليات , فالكل يتحدث عن السياسة والحريات بجميع انواعها وحدودها متناسين الاقتصاد ولقمة العيش , واذا كانت حريتك تنتهى عند حدود الاخرين فعندما يكون الاخرين لا يجدون مايأكلونه وما يلبسونه فلا حرية لك فيما تملك لأنهم سينزعوه منك بقوة الحاجة وألم الجوع . هذه هى الحقيقة المؤلمة التى نتجاهلها ونحن نتقاتل على كراسى الحكم التى سيأكلها الناس جوعاً , وقديماً حلت بمصر فى عهد المستنصر موجة غلاء فاحش وسببه كما يقول المقريزى فى كتابه اغاثة الامة بكشف الغمة ( ضعف السلطنة واختلال احوال المملكة واستيلاء الامراء على الدولة واتصال الفتن وقصور النيل) أكل فيها الناس الكلاب والقطط حتى قلت الكلاب , وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضاً , وجاءه الوزير يوماً على بغلته فأكلتها العامة, واشترت أمرأة كيس دقيق بعقداً لها ثمنه الف دينار فهجم عليها الجياع وأخذوه منها فلم يتبقى لديها سوى حفنة من الدقيق أخف من ثمن عقدها . فأن لم ننتبه الى ما وصلنا اليه فلا أحد يعلم غير الله ماذا سيأكل الجياع فى طريقهم , ولذا علينا ان نترك خلافاتنا السياسية والمذهبية والفكرية جانباً ونتفق على شئ واحد فقط وهو أنقاذ ما تبقى من أقتصاد البلاد كى تبقى لنا بلاد نتنازع الحكم فيها , واولى الخطوات من وجهة نظرى ان يتم تأمين الطرق التجارية بكل وقوة ونواجه الخروج على القانون وسلب الممتلكات العامة والخاصة بكل قسوة فلا توجد دولة فى العالم تطارد لصوص الطرق بالهراوات فارقى الدول الديمقراطية تطلق الرصاص على اى قاطع طريق لا يقف رافعاً يداه امام الشرطة , ولدينا مدن صناعية تحتاج الى دعم مالى وأمنى قوى كى توفر لنا سلع للسوق الداخلى وللتصدير كى نحصل على عملات صعبة نستورد بها ما ينقصنا ونوقف بها نزيف الاحتياطى النقدى الذى يتآكل يوماً بعد يوم , وليعلم مسؤلى الامن فى مصر ان تأمين طرق التجارة والمدن الصناعية والسياحية أهم من تأمين الافراد داخل المدن , لأن تأمين مصدر رزق الافراد هو تأمين غير مباشر للافراد أنفسهم , ولذا أستغربت عندما سمعت تصريح غريب لمدير أمن أحدى المحافظات السياحية بالصعيد وهو يصرح بأن تأمين الافراد أهم من تأمين المناطق الاثرية و أخر فى وسط الصعيد لا هو ناجح فى تأمين المصانع فيها ولا هو سامح لاصحاب المصانع بحماية مصانعهم برفضه الترخيص لهم بحمل السلاح لحماية مصانعهم فى أحدى عجائب ما بعد الثورة . وفى ظل هذه الظروف المؤلمة أجد الاضرابات تعصف ببعض موانى البلد كى تتوقف حركة التجارة الدولية ونفقد الكثير من تصنيفنا الدولى فى مجال ألامن والاقتصاد معاً مما ترتب عليه فشل العديد من صفقات الصادرات وارتفاع فاتورة الوارادات نتيجة لارتفاع مخاطر التصدير لمصر والاستيراد منها على حد سواء, ومع تردى الاوضاع الامنية هرب المستثمرون للخارج وتناقصت فرص العمل يوماً بعد يوم وفى طريقها الى النمو السلبى مما يزيد الامر سوءاً . أننى أرى بلد تتأكل اقتصادياً وتتناحر سياسياً وان شئت قل اننا اصبحنا بلد تنتحر سياسياً بتركها لأقتصادها ينهار تدريجياً , ولا أعرف ماذا سيتبقى للمتازعين على كراسى الحكم غير الاطلال ان لم يتفقوا على انقاذ ما تبقى من اقتصاد مصر والتركيز على وضع حلول عملية وسريعة لانقاذ ما يمكن أنقاذه , فلننس ولو لمدة شهر واحد فقط صراعاتنا وخلافاتنا السياسية والفكرية ونتفق على خطة عمل موحدة لانقاذ أقتصادنا المبتلى بتجاهلنا وجهلنا معاً ولنعمل فيها ليل نهار بمشاركة كل القوى والائتلافات والاحزاب وكل المسميات على أختلاف توجهاتها , وليشارك كل من يريد الخير لمصر برأيه وفكره وعلمه فى مبادرة لأعادة بناء الدولة أقتصادياً اولاً , فالاقتصاد هو الاساس الذى تقف عليه اركان الدولة والجدران الحقيقية التى يعيش عليها الناس سواء كانوا متفقين أو مختلفين ودولة بلا أقتصاد هى كومة عظيمة من الرمال الناعمة على شاطئ بحرمضطرب تطيح بها أول موجة هائجة من الموجات الجائعة .