الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

« كيرياليسون .. فى محبة الأقباط » .. كتاب لحمدي رزق يروي تفاصيل 7 سنوات عجاف .. ويؤرخ لفقه المواطنة الشعبية

كيرياليسون .. فى
كيرياليسون .. فى محبة الأقباط

كيف حال أقباط مصر ؟ سؤال يجيب عنه بمحبة ووطنية الكاتب الصحفى حمدى رزق فى كتابه الجديد " كيرياليسون .. فى محبة الاقباط" ، السؤال الصعب يفككه رزق بقلمه ، ويسجل تفاصيل ما جرى لأخوة الوطن فى سبع سنوات عجاف مرت صعيبة على الشعب المصرى وفى القلب منه أقباط الوطن العظيم .

" كلنا فى الهم قبط " كما يقول رزق فى كتابه الصادر عن مؤسسة روزاليوسف " سلسلة الكتاب الذهبى " ، ويعرض موقع " صدى البلد " صفحات من كتاب المحبة الذى ثمنه الامام الاكبر الدكتور احمد الطيب في خطاب الى مؤسسة روزاليوسف ، وكما مدحه الانبا موسى اسقف الشباب. وقال فيه الدكتور مصطفى الفقى رئيس مكتبة الإسكندرية قولا بليغا ، " كتاب يفيض وطنية " حكيما ، وخطب من صفحاته الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف فى حضور حفل التوقيع الذي احتضنته مكتبة القاهرة الكبرى بحضور لافت من قامات فكرية وسياسية واسلامية ومسيحية غمرتهم المحبة التي لونت الصفحات بين دفتى الكتاب .

يقول رزق مفتتحا كتابه : " كم كتبت محزونًا، نادرًا ما أكتب فى حالة فرح، ضنّ الزمان علينا بفرحة، بليلة من ألف ليلة، وكلما جنّ علينا ليل الفتنة بظلام يغشى القلوب التى فى الصدور، أنطقها بزفير، يا رب رحمتك، كيرياليسون، وأذهب ملهوفًا إلى "موعظة الجبل، وما أدراك ما موعظة الجبل، ظفرت منها بهذه الوصية الخالدة من وصايا السيد المسيح عليه السلام، "أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم"!. وكنت كلما ألمّ بإخوتى فى الوطن عارض، أو لفهم حزن، أعود إلى جبل الموعظة، أجمع من ثمارها، هدية ما يرطّب قلوبهم، ويبلسم جراحهم، ويرد الروح إلى نفوسهم المعذبة، وكلما طالعت الموعظة فوق جبل اكتشفت أن السيد المسيح -عليه السلام- كان يتحسب ليوم، كما كان رسول الله -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام- فى "حجة الوداع" يتحسب ليوم، وكم نحتاج إلى مراجعة الموعظة والخطبة لنواجه معًا اليوم الذى نعيشه، والغد الذي ننتظره، ونستشرف أفقًا بعيدًا تتحلى فيه المواطنة الكاملة .

رزق يحدد الطريق سالكة الى قلوب اخوة الوطن ، ويكتب : "إذا أردت أن تدخل إلى قلب وعقل القبطى، عليك بالباب، والباب هنا موعظة الجبل، وإذا سعيت لمحبة قبطى عليك بينابيع المحبة تتدفق رقراقة من هذا النص النادر، وإذا نويت أن تفهم قبطيًا عليك بموعظة الجبل، وإذا قرأت موعظة الجبل بقلبك فأنت طيب مسرور، وبعقلك فأنت واعٍ ومدرك، وبالقلب والعقل فأنت منصف لإخوتك، فالموعظة خلاصة الخلق القبطى، ما يجب أن يكون عليه القبطى فى أهله، وهم أهلنا ومن جلدتنا، ونحن أولى بهم، وهم أولى بنا، نحن أولياء بعض وطنيًا.

ويكشف رزق عن تفاصيل العلاقة قائلا : "مراجعة الموعظة هى ما يحتاجه الأقباط، ومراجعة خطبة الوداع هى ما يحتاجه المسلمون، والأقباط والمسلمون في حاجة إلى مراجعات حقيقية لوصايا الأنبياء والرسل ، ودون هذه المراجعات تظل الفُرَج بين الأقدام واسعة تنفذ منها الشياطين إلى تقليب القلوب، وتأليب المشاعر، وفتن الناس فى وطنهم".

ويحذر رزق من الفتنة في كتابه قائلا : "ليس أخطر على هذا الوطن من الفتنة الطائفية، باب جهنم الذى يؤمه كلاب النار، والفتنة الطائفية من مستصغر الشرر، والحوادث الطائفية الكبيرة التى كادت تحرق وجه الوطن نشبت من مستصغر الشرر، ولولا حكمة أصحاب القلوب المؤمنة بالوطن، والعيش المشترك، وتقاسم اللقمة، وعندك عيد فأنا سعيد، وإذا ألمَّ بك قرح فقلوبنا حزينة لا تسع الخرق على الراتق، وكما قال سيد الخلق فى المؤمنين، يصح القول فى المصريين: "مَثَلُ المؤمنين فى تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى".

ويروى حمدي رزق فصلا من طفولته التى لم ير فيها طائفية ولا سمع فيها عن طائفية ، فقد كانت المحبة ، يقول رزق : "صغيرًا شببت على صوت يزعق فى شوارع "العزبة القبلية" فى مدينة منوف (وسط الدلتا): "محمد نبى، وعيسى نبى، وموسى نبى، وكل من له نبى يصلى عليه" فنؤمّن بالصلاة والسلام عليه، كل يقول آمين، نداء جامع شامل ملهم، أنتجته العبقرية الشعبية المصرية التي ما فتئت تعبر عن سماحتها وذكاوتها فى التعامل مع الاختلاف الديني الذى ولدنا عليه، فصار هذا مسلمًا وصار هذا قبطيًا، ولا يزال يعيش بين ظهرانينا يهود بكامل الأهلية الوطنية".

وعن كتابه وكتابته المعنونة فى صفحات " كيرياليسون .. فى محبة الاقباط " يقول : لا أذهب فى هذه "السنكسارية - السيرة - الوطنية"، إلى أقوال المؤرخين والرواة الثقاة، ولكني اتقفى المحبة بين الناس الطيبة، أتعلمون محبة المسلمين للعذراء مريم، يسمون بناتهم باسمها الجميل، أتدرون أن سورة "مريم" تحتل مكانها الطيب في نفوس المسلمين، يستعذبونها فى سرادقات العزاء، ويطلبونها من المقرئ الطيب ليطربوا لسيرة أم النور، ما تيسر من سيرة العذراء البتول، أتعلمون أن بعض الطيبين من المسلمين يزورون الكنائس طلبًا لبركة القديسين، ولو تعلمون أن بعض المسيحيين يعتقدون فى كرامات وبركات الأولياء الطيبين، من منكم يصدق أن مداحين أقباطًا يمدحون فى حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومسلمون يرون فى عيسى -عليه السلام- نور من رحم سيدة النور، وهلم جرا من قصص وحكايات ومرويات.

والمواطنة في نفوس المصريين يقول حمدي رزق : "أحب من أفلام السينما القديمة فيلم "حسن ومرقص وكوهين"، وحزنت على أيامنا أن اختفى "كوهين"، وصار فيلم عادل إمام وعمر الشريف "حسن ومرقص" فقط، وخشيت أن تأتى علينا أيام يبقى "حسن" ولا نرى "مرقص" مجددًا على الشاشة، مضى زمن كان الشعار "الجار للجار.. والنبي وصى على سابع جار"، الآن يحرّمون السؤال على الجار القبطى، ويفتون بحرمة تهنئته فى الأعياد، ويمنعون أولادهم من اللعب فى الحوش مع مرقص وعزيز، ويغمزون فى قناة إخوتنا بسخرية مريرة، وإذا ابتسموا في وجوههم غصبًا، يقولون فى سرهم، اللى فى القلب فى القلب يا كنيسة، هلا شققت عن قلبه، ماذا فى القلب المصرى غير الحب، كلمة الحب اللى بيها / تملك الدنيا وما فيها / واللى تفتح لك كنوز الدنيا ديه / قولها ليه قولها للطير.. للشجر.. للناس.. لكل الدنيا / قول الحب نعمة / مش خطية / الله محبة / الخير محبة / النور محبة.. بحب سيدة النور.


يتذكر رزق فصل المواطنة الاول فى طفولته ، فى مدرسته ، ويروى قصته مع صديق طفولته " ألبير " : كلما جنّ علينا ليل الفتنة البهيم يزورنى طيف «ألبير»- حتى اسمه بالكامل نسيته فى لجّة الأيام- كانت أياما، وكان يجلس إلى جانبى فى الفصل وديعًا، لا أعرف من أين له كل هذه الوداعة، يقينًا من وداعة الست والدته «أم البير»، كانت تصنع الزبادى بيديها، كنت أتناوله هنيئًا مريئًا، كنت أحبها حبًا جمًّا، كانت كُمّل من السيدات، لا يصدر عنها حرف يجرح، لم نسمع لها صوتًا، كان صوتها خفيضًا لا يكاد يبين.

كان "ألبير" شاطر من يومه وكانت درجاته فى العربى لا تقل عن درجاتى، كان خطى جريئًا يخمش الورق الأبيض، كان خطه خجولًا يخشى خدش براءة الورق، كان رقيقًا، يحلف بالعذراء "مريم البتول" فنصدقه، كان ينطقها "العدرا" بالدال وبدون همزة على السطر، لم يكن بحاجة إلى الحلفان، كنا نصدق بعضنا البعض، لا نملك من بضاعة الكذب إلا كذبًا أبيض يتعاطاه الصغار هربًا من كتابة الواجب، الكذب يودّى النار، كان "ألبير" يخشى النار مثلنا.

كان يحب الحاج "أحمد البهنينى" مدرس اللغة العربية والدين مثلنا، كان الحاج "أحمد" محل تقدير، فى وجهه ضياء يفيض منه البشر، نحب رؤياه، ونسعد للقاه، ونهشّ ونبشّ، كانت ضحكته ضحكة ملاك، بالكاد تفتر ابتسامته عن ثغره، يبسمل ويحوقل مفتتحًا الحصة الأولى، نتلوالمعوّذتين، و"قل هو الله أحد". الحاج "أحمد" علمنى الحروف كلها، حروف الحب لله فى لله، وكأنه ملاك بجناحين يرفرف على الرءوس، يرْبِت على ظهر ألبير، كان يخصه ببعض الحنان، كان يخشى عليه الوحدة فى حصة الدين، لم يهن عليه مرة أن يُخرجه بره الفصل فى برد طوبة.

مدرستى كانت فى حضن كنيسة منوف بـ"عزبة النصارى"، هكذا شاع اسمها دون أن يثير حساسية إخوتنا الأقباط باعتبار كل مصرى قبطيًا فى الأصول، وكانت الكنيسة مثل ملاك المدرسة الحارس، وكان القس الطيب يزور الحاج "أحمد" كل صباح، كانا صديقين، بينهما مودة ورحمة، كانت أجراس الكنيسة تدوّى فى قلب الفصول، وكأنها ألحان شجية.

يزورنى طيف "ألبير" كثيرًا كلما زعق أحدهم من نفسه المريضة بالفتنة، "ألبير" لايزال طيفه نقيًا طاهرًا، قلبه مملوء بالمحبة، "ألبير" لم يعرف حقدًا ولم يضمر شرًا ولم يتأبط شرًا، يزورنى طيفه الشاحب كلما افتأت أحدهم على إخوتى بالباطل الذى يعتقده.

"ألبير" كان يحلف بالمسيح الحى عليه السلام، وكنت أحلف بخير الأنام، الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، حفظت ما تيسر من سيرة "عيسى" عليه السلام فى سورة "مريم"، أحببته وأمه ستنا مريم عليها السلام، وتمليت صورته فى حضن العذراء معلقة فى مدخل الكنيسة، حفظ "ألبير" عن الحاج "أحمد" الكثير عن أخلاق الرسول الكريم، وإنك لعلى خلق عظيم، وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق، كانت أيقونة الحاج "أحمد" «أدّبه ربه فأحسن تأديبه»، وعلى النهج نسير.

تعلم "ألبير"من القس الطيب "باركوا لاعنيكم" وعلى نهجه كان يسير بيننا ملاكًا لا نكاد نشعر بوقع خطواته، كان يطرب مثلى لسورة "مريم"، كان الشيخ "الحليفى" الضرير يتفنن فى قراءتها على الهواء مباشرة من ميكروفون المضيفة فى الجامع القريب، بالقراءات السبع.

كان الشيخ الطيب يستمتع بالقراءة ويمتّع السامعين، فى مدينتنا الهادئة قبل أن يدهمها الطوفان، ويستبيحها الجراد الأسود، وتغرّد على شجر الزقوم طيور الظلام، كان الشيوخ يفضلون سورة "مريم" لبلسمة قلوب أهل الفقيد، ونعيش مع آيات بينات من الذكر الحكيم يتلوها علينا فضيلة الشيخ... وينساب الصوت شارخًا الصمت المطبق على البلدة الصغيرة: «وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيّا»، طعم التمر فى الحلوق حلو، طعم الآيات حلو، «فَكُلِى وَاشْرَبى وَقَرِّى عَيْنًا..» كنا ننام قريرى الأعين.

توقظنا، توقظ ناس "عزبة المغربى" فى الناحية القبلية، الحى الفقير من المدينة، أجراس الكنيسة باكرًا، عم "ميخائيل" يسبق الديكة دومًا، يصعد الدرج متمهلًا، أدى واجبه، أيقظ النائمين، كنا نغتم من الغم إذا دقت الأجراس فى غير موعدها المضبوط للصلاة، إذن هى إعلان وفاة، تنيّح أحدهم، كنا نهم إلى الجنازة فرادى وجماعات.. كرياليسون.. كرياليسون.


أغنية ألف ليلة وليلة تلح على رزق فى كتابه ، ويقول تحتوينى أم كلثوم بصوتها الشجى، ويتردد بداخلى صوتها ينساب خريراُ فامتلأ حبًا، أهديه دومًا المقطع الأخير من "ألف ليلة وليلة" أحس دومًا أن إخوتى أولى بها، وكأنها تتغنى خصيصًا لهم ليسعدوا، ويهنأوا.. تغبطني الأغنية.. والمقطع يقول:
"يا رب..
لا عمر كاس الفراق المر يسقينا
ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا
وغير شموع الفرح.. ما تشوف ليالينا".

يتجول رزق فى دفتر احوال مصر المحروسة منقبا عن بذور الوحدة الوطنية مغروسة في أرض المحبة ، و يفرد فصلا ختاميا عن فقه المواطنة الشعبية ويعدد فيه آيات من الحب والمودة التي تجمع المسلم والمسيحى على أرض مصر ليرد بهذا الفصل الرائع على كل الترهات والاكاذيب التى ينثرها كالبذور السامة من لايرعوون لدين ولا لوطن ولا لأخوة ولا عشرة تجمعنا ولقمة تشبعنا وأمل ننام ونصحو عليه ان يكون القادم أحلى .

يجول رزق فى صفحات دفتر الأحوال متقفيا العلاقة الطيبة التى ربطت بين الرئيس وقلوب المسيحيبن ، وكيف قطع الطريق نحو الكتدرائية مهنئا بعيد الميلاد ولم يفعلها رئيس قبله ، وكيف ثار الرئيس لإخوتنا الذين ذبحوا فى سرت بليبيا بقصف جوى هائل ، لم ينم الرئيس على ثار ابدا وكررها ثانية بعد حادث دير الانبا صموئيل فى المنيا ، وفى كل مرة كان سندا وعونا .

ويؤسس رزق فى كتابه للعلاقة الطيبة التى تجمع البابا تواضروس الثانى بالرئيس السيسى علاقة محبة وتقدير واحترام ، كما يذهب الى تأصيل العلاقة بين البابا والإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر ، وكيف اجتمعا معا على حب الوطن ، ويشكلان الأزهر والكنيسة والقوات المسلحة مثلث القوة المصرية ، و الأساس الذي انبنت عليه مصر الحديثة .

كتاب رزق هو رسالة محبة من قلب مصري إلى المصريين جميعا .