الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البؤساء.. حكاية أشهر رواية في القرن الـ19.. صورت الحياة البائسة بعد الثورة الفرنسية.. وجسدها فريد شوقي

صدى البلد

على مر عقود طويلة، شهدت الثقافة المصرية تفاعلا كبيرا مع ثقافات دول العالم المختلفة، حيث كانت مصر دائما نموذجا للانفتاح على الثقافات للدول الأخرى وهو الأمر الذى استفادت منه الثقافة المصرية حيث أكسبت واكتسبت من الثقافات الأخرى بشكل حيوى وهو دليل على ديناميكية الثقافة المصرية على مر العصور، وعدم انغلاقها على نفسها وهو الأمر الذى ساهم فى ازدهار روافد الأدب والفنون بأشكالها المختلفة تأثرا بالتفاعل مع هذه الثقافات.

ويعتبر الأدب العالمى نموذجًا واضحًا من الروافد الثقافية التى تأثرت بها الثقافة المصرية فى تكوين شخصيتها المستقلة، ومن خلال هذا التقرير يلقي صدى البلد الضوء على نماذج من الأدب العالمى التى أثرت فى الثقافة المصرية، والتى كان على رأسها أعمال الكاتب الفرنسى الكبير فيكتور هوجو ورائعته الخالد "البؤساء".

البؤساء أو البائسون (بالفرنسية: Les Misérables) هى رواية للكاتب فكتور هوجو نشرت سنة 1862، وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إنه يصف وينتقد في هذا الكتاب الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832. إنه يكتب في مقدمته للكتاب: "تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لا مبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائمًا".

تصف البؤساء حياة عدد من الشخصيات الفرنسية على طول القرن التاسع عشر الذي يتضمن حروب نابليون، مركزةً على شخصية السجين السابق جان فالجان ومعاناته بعد خروجه من السجن.

تعرض الرواية طبيعة الخير والشر والقانون في قصة أخاذة تظهر فيها معالم باريس، الأخلاق، الفلسفة، القانون، العدالة، الدين وطبيعة الرومانسية والحب العائلي. لقد ألهم فيكتور هوجو من شخصية المجرم/الشرطي فرانسوا فيدوك ولكنه قسم تلك الشخصية إلى شخصيتين في قصته.

رواية البؤساء ظهرت على المسرح والشاشة عبر المسرحية التي تحمل نفس الاسم وأيضًا تم إنشاء فيلم للرواية نفسها باسم البؤساء (فيلم 2012) وقد حقق مبيعات ضخمه حتى أن تقيمه قد وصل إلى 7.6/10 و قد حصل على عدة جوائز.

تدور أحداث الرواية عن الحياة الاجتماعية البائسة التي عاشها الفرنسيون بعد سقوط نابليون في عام 1815 والثورة التي حكم عليها بالفشل ضد الملك لويس فيليب في عام 1832، حيث يصور الكاتب المعاناة التي عاشها الفرنسيون من خلال شخصية جان فالجان الذي عانى مرارة السجن وعانى أيضا بعد خروجه منه.

رواية «البؤساء» تحكى قصة جان فالجان الانسان الأمي البسيط الذي امتدت يده الى رغيف خبز تحت طائلة العوز والجوع، ومن أجل اطعام اخته واطفالها السبعة الجياع، ولكن المحكمة لم تأخذ بتلك الأسباب وأصدرت حكمها عليه بالسجن خمس سنوات مع الاشغال الشاقة. ولمرارة الحياة في السجن حاول الهرب وأعيد الى السجن مجددا مع إضافة فترة سجن اخرى على الحكم السابق.

ثم تكرر الهرب وإعادته الى السجن حتى امتدت العقوبة الفعلية الى 19 سنة.. نعم 19 سنة من أجل رغيف خبز!

وعندما أطلق سراحه سنة 1815 كان انسانا بائسا ويائسا، وفي الوقت نفسه كان قاسيا وحاقدًا على المجتمع الذي لم يرحمه مع أخته وأطفالها السبعة الجياع والذي يجهل مصيرهم الان،

متشوقا لاقتناص الفرصة لانزال جام غضبه وعقابه على المجتمع، لقد حدّث نفسه: «أن ليس ثمة تكافؤ بين الأذى الذي ارتكبه، وبين الأذى الذي لحق به».

شيء واحد استفاد منه في سجنه أنه تعلم القراءة والكتابة والحساب وهو في سن الأربعين. وقابل الناس جان فالجان بالجفاء والمهانة والطرد بمجرد معرفتهم هويته بعد هذه السنين الطوال وكأنه كلب أجرب منبوذ.

طرد حتى عندما عرض مالا كان قد ادخره في السجن مقابل الطعام والمنام، حتى انه لم يسمح له بقضاء ليلة في السجن الذي اعتاد عليه.

رجل واحد فتح له قلبه ومسكنه، انه الأسقف العجوز شارل ميريل اسقف مدينة ديني الرحوم صاحب اليد الطولى في مساعدة الفقراء، المشغول دائمًا بمهامه الكنسية ومسئولياته.

ذلك الرجل الطيب الذي كلما امتلأت جيوبه بالمال زار الفقراء، واذا فرغت جيوبه من المال زار الأغنياء، مسافرا الى المناطق المجاورة مشيا على الأقدام او مستعينًا بعربة او ممتطيا ظهر بغل، كل هذا جعل من قدومه بهجة للناس وأينما حل. كتب الأسقف ميريل على هامش الكتاب المقدس: «ان باب الطبيب يجب الا يغلق.. وان باب الأسقف يجب ان يظل مفتوحًا.

ولكن جان فالجان الذي لم تهدأ ثورته ضد المجتمع وهو في أول عهده بالحرية سرق من الأسقف الأطباق الفضية الستة مع ملعقة الحساء الكبيرة التي ورثها الأسقف يوما ومن أول ليلة آواه فيها بمسكنه وغادر المنزل قبل خيوط الفجر الاولى، ولكن الدرك اعادوه الى الاسقف في اليوم التالي لشكهم بسرقته الأطباق والملعقة وظن جان فالجان انه سيعود الى السجن مجددا غير ان الاسقف زعم امام الدرك انه منحه الأطباق والملعقة بل وزاد على ذلك بأن أعطاه شمعدانين كان يستعملهما للاضاءة في منزله وقال له بصوت خافت: «لا تنس أبدا أنك وعدتني بأن تستخدم هذه الآنية الفضية لتصبح رجلا صالحًا!».

اختفى جان فالجان بعدما أثرّ به ذلك الدرس البليغ لاستمرار حياته بكرامة ثم ظهر في مدينة «مونتروي سورمير»، المدينة الصغيرة في الشمال الفرنسي وأصبح يحمل اسم السيد «مادلين» مخفيا حقيقته بعد ان اصلح حاله وحسن اموره المالية وكون ثروة كرجل أعمال ناجح، كما اصبح من اكثر المحسنين في المدينة مؤمنا بأن الخير الذي ينعم به يجب ان يعمم على المعوزين والبائسين والمظلومين، وفتح أبواب التوظيف في معاملته للناس بشرط واحد يعرفه الجميع: «كن أمينا!» ولما تكررت أعماله الخيرية ومعوناته التي وصل صداها الى الملك اختاره الملك عمدة للمدينة مع رغبة جماعية من الناس الذين حملوه على قبول المنصب بعد رفض وتردد.

وعندما أعلنت الصحف في مطلع سنة 1821 عن وفاة الأسقف ميريل عابقا بعبير الطهارة والقداسة عن عمر يناهز الثانية والثمانين قضاها في أعمال البر والخير، شوهد مسيو مادلين كما أصبح اسمه في صباح اليوم التالي يرتدي ثوب حداد اسود وعصابة سوداء تطوق قبعته حتى أصبح ذلك حديث البلدة واستنتجوا من ذلك انه كان على صلة ما بالأسقف.

استمرت نظرة المسيو مادلين الى المحتاجين نظرة مفعمة بالألم العطوف المتوسل مطيلا النظر الى تمثال المصلوب المعلق على الجدار ومطيلا مع ذلك الصلوات للشهيد في الأعالي ولمن هم على الارض. وسعى لجعل الناس من البشر الملائكة، ومدّ يد العون دون تردد ودون انتظار لجزاء ما فهو ينقذ رجلا من تحت عجلات عربة، ويتبنى «كوزيت» الابنة غير الشرعية لامرأة فقيرة «فانتين» ثم يرعاها ويزوجها من حبيبها «ماريوس».

وتشاء الصدف ان يتهم رجل جائع بالسرقة بعد ان التقط من الطريق العام غصنا فيه بقايا فاكهة. ولما كان هذا الرجل كثير الشبه بجان فالجان فقد وجهت له تهمة السرقة على أنه هو جان فالجان مع ربطها بتهمة سرقة سابقة لنقود طفل اعتقد ان جان فالجان قام بها بعد خروجه من السجن بأيام.

أما مفتش الشرطة جافيير فقد كان من أكثر المتحمسين لإلصاق التهمة بذلك الرجل، وشهد أمام المحكمة انه جان فالجان نفسه، ولم يكن هناك أحد يشك بصحة شهادة مفتش الشرطة جافيير فهو كان ضمن سجاني السجن آنذاك. سلم مسيو مادلين او جان فالجان، نفسه للمحكمة بعد صراع طويل مع الذات وتأنيب ضمير كي ينقذ ذلك الرجل البريء وكشف عن حقيقة نفسه مما عرضه لعقوبة السجن من جديد، وقد نظرت له المحكمة على أنه صاحب سوابق. ولكنه وخلال نقله من مكان إلى آخر مع مجموعة من المحكومين استطاع الفرار والاختفاء من جديد.

وقضى بقية حياته طريدا بعد أن تبنى كوزيت الابنة غير الشرعية لفانتين بعد وفاتها وكرس حياته لإسعادها.