الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ملفات صعبة يناقشها بوميبو مع بوتين في سوتشي غدا.. والأزمة الإيرانية حاضرة بقوة

روسيا
روسيا

في زيارة يمكن وصفها بأنها استثنائية للغاية ، يصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى روسيا غدا /الثلاثاء/ ، حيث يجري مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع "سوتشي" على البحر الأسود، تتناول جملة من الملفات والقضايا الخلافية الساخنة ، سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين أو على الساحة الدولية .

وقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن زيارة بومبيو لروسيا تأتي بمبادرة ( طلب) من الجانب الأميركي ، وسيجري خلالها مباحثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف ، وقد يستقبله الرئيس فلاديمير بوتين. فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية ، الجمعة، إن بومبيو سيلتقي خلال الزيارة الرئيس بوتين "لبحث سلسلة من المستجدات الثنائية ومتعددة الأطراف".

وكان مقررا أن يبدأ بومبيو زيارته لروسيا اليوم / الاثنين/ من موسكو ، حيث كان مخططا أن يلتقي هناك أعضاء السفارة الأمريكية وعددا من رجال الأعمال الروس والأمريكيين ، قبل أن يتوجه الثلاثاء إلى سوتشي للقاء بوتين .لكن بيانا للخارجية الأمريكية أوضح أن ازدحام جدول أعمال الوزير وارتباطه بلقاءات مهمة مع قيادات الاتحاد الأوروبي في بروكسل بشأن الأزمة مع إيران ، أدى إلى إلغاء زيارة موسكو اليوم وسيتوجه غدا إلى سوتشي للقاء بوتين ولافروف .

الأهمية الاستثنائية التي تكتسبها زيارة الوزير الأمريكي لروسيا تعود إلى أمرين أساسيين .. الأول يخص التوقيت ، والثاني يتعلق بالموضوعات والملفات التي سيناقشها بومبيو مع القادة الروس، في أول اجتماع بين الجانبين على هذا المستوى ،منذ قمة هلسنكي في يوليو من العام الماضي ، بين الرئيسين الروسي والأمريكي.

فمن ناحية التوقيت تأتي الزيارة ، بعد أسابيع من نشر تحقيق المدّعي الأميركي الخاصّ روبرت مولر حول التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة العام 2016 والذي خلُص إلى عدم تواطؤ فريق حملة ترامب في ذلك. كما تأتي عقب مباحثات هاتفية بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي أوائل الشهر الجاري وصفت بأنها إيجابية للغاية.

وفي هذا الصدد يرى مراقبون أن تبرئة ترامب وفريق إدارته من التهمة التي ظلت تلاحقه منذ وصوله إلى البيت الأبيض بشأن علاقته المزعومة مع الروس خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، من شأنها أن تزيل عقبة مهمة في طريق علاقاته مع روسيا ، وترفع الحرج الذي كان يواجهه في هذا الصدد . فيما لا يستبعد محللون أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من التقارب والتنسيق بين واشنطن وموسكو حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية ، خصوصا وأن ترامب كان دائما من أنصار التقارب مع روسيا.

كما أن زيارة بومبيو لروسيا ، وهي الأولى له منذ توليه مهام منصبه خلفا لوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، تأتي في خضم تصاعد نذر التوتر في منطقة الخليج نتيجة الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران ، وتداعيات ذلك على أوضاع المنطقة برمتها.
وهذا ما يقودنا إلى السبب الثاني لأهمية زيارة بومبيو لروسيا والمتعلق بالقضايا والملفات التي يحملها بومبيو خلال زيارته المرتقبة لروسيا ، حيث ينتظر أن يتصدر جدول أعمالها الأزمة الراهنة مع إيران ، والتي تعد أحد الموضوعات الخلافية بين واشنطن وموسكو.

وفي هذا الإطار فقد استبق بومبيو مباحثاته مع الروس بالذهاب إلى بروكسل في مسعى لحشد الدعم الأوربي للموقف الأمريكي في الأزمة مع طهران ، واحتواء الخلافات في المواقف بين الجانبين قبل لقائه مع بوتين.فالدول الأوربية وإن كانت قد رفضت إنذارات طهران وما صدر عنها من تصريحات بتقليص التزاماتها المتعلقة بالاتفاق النووي وتهديدها بالانسحاب منه إلا أنها في الوقت نفسه تنتقد الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق ، وتؤكد تمسكها بضرورة الحفاظ عليه ، وتدعو إلى تجنب التصعيد.

وفيما يخص الموقف الروسي من الأزمة مع إيران ، فإن موسكو تلقي باللائمة على واشنطن في تفجر هذه الأزمة بسبب انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي ،وبسبب العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها على الجانب الإيراني. إذ يرى الروس أن طهران تعرضت لاستفزاز من جانب واشنطن أدى إلى تراجعها عن بعض بنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015 .

وفي مقابل التصعيد الأمريكي تجاه طهران بسبب برنامجها النووي ، فإن روسيا عبرت عن تفهمها لقرار إيران وقف بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، كما أكدت تمسكها بعلاقاتها القوية مع إيران ، ولاسيما في مجال الطاقة النووية ، فقد أعلنت أنها ستواصل بناء محطة الطاقة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية ، كما أنها تواصل العمل على تحويل مشروع تخصيب اليورانيوم في مفاعل "فوردو" (بمحافظة قم الإيرانية).

أما الملف الخلافي الثاني والذي ينتظر أن يكون على مائدة البحث بين بوميبو والمسؤولين الروس ، فهو الأزمة الحالية في فنزويلا. فبينما تسعى واشنطن إلى الإطاحة بنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ، وتفرض عليه عقوبات مشددة في محاولة لإجباره على التنحي عن منصبه ، ترفض موسكو سياسات واشنطن تجاه فنزويلا وتعتبرها تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية .وتقيم روسيا علاقات تحالف اقتصادي وعسكري مع الرئيس مادورو ،وقد استثمرت مليارات الدولارات في قطاع النفط في فنزويلا الذي يعاني حاليا بشدة بسبب العقوبات الأمريكية.

وقبل أيام طالب وزير الخارجية الأمريكي روسيا والدول الأخرى المتحالفة مع نظام الرئيس الفنزويلي ب"الرحيل" من فنزويلا. وقال إنه ستكون له "محادثات موسعة أكثر" حول الوجود الروسي في فنزويلا مع نظيره الروسي . فيما ردت موسكو بمطالبة واشنطن بالتخلي عن "خططها المتهورة" في فنزويلا. وقال لافروف خلال استقباله نظيره الفنزويلي خورخي أريازا في موسكو "ندعو الأمريكيين وجميع من يدعمونهم إلى التخلي عن خططهم المتهورة والتحرك فقط في إطار القانون الدولي". وأضاف "نشهد حملة غير مسبوقة للولايات المتحدة لإطاحة السلطات الشرعية في فنزويلا".

القضية الثالثة التي تثير خلافا بين واشنطن وموسكو التي يتوقع أن تكون حاضرة بقوة في خلال مباحثات بوميبو مع القادة الروس ، تتعلق بمسأئل الحد من التسلح . إذ يتوقع أن تنقضي مدة معاهدة "ستارت الجديدة" التي تنص على الحد من عدد الرؤوس النووية بأقل مما كانت عليه خلال فترة الحرب الباردة، عام 2021. وقد دعا ترامب إلى التوصل إلى معاهدة جديدة أوسع بعدها تشمل الصين. وقد أعلنت الخارجية الروسية أن موسكو مستعدة لاستئناف الحوار مع واشنطن بشأن معاهدة جديدة لنزع السلاح النووي .لكن وزير الخارجية الأمريكي بدا قبيل زيارته لروسيا ،أقل تفاؤلا بإمكانية التوصل لتفاهمات مع الروس حول هذه القضية ، لاسيما بعد انهيار "معاهدة القوى النووية متوسطة المدى" التي انسحبت منها الولايات المتحدة ، متهمة روسيا بانتهاكها عبر منظومة صواريخ جديدة.

وتشمل المواضيع الخلافيّة الأخرى أيضا ، الحرب في سوريا ، فضلًا عن النزاع في أوكرانيا والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والرسوم التي قررت واشنطن مؤخرا فرضها على الصادرات الصينية الى الولايات المتحدة والتي تقدر بمليارات الدولارات ، وهو أمر تنظر اليه موسكو بنوع من عدم الارتياح لاسيما وأن روسيا ترتبط بعلاقات تحالف قوية عسكريا واقتصاديا مع الصين .

في ضوء كل ما سبق لا تبدو مهمة الوزير الأمريكي المرتقبة في سوتشي سهلة ، ليس فقط بسبب تعقيد وصعوبة الموضوعات التي سيناقشها مع الجانب الروسي ، وإنما أيضا بسبب ما يراه المراقبون انقساما عميقا داخل الإدارة الأمريكية نفسها حيال العلاقات مع روسيا ، فبينما يبدو ترامب أكثر رغبة في التقارب مع موسكو، فإن وزير خارجيته وعددا آخر من المسؤولين في إدارته يبدون أكثر تشددا في الموقف من روسيا التي ينظرون إليها على أنها خصم ومنافس خطير لمصالح الولايات المتحدة الكبرى ونفوذها على الساحة الدولية ، وأنه يجب التصدي للطموحات الروسية بصورة أكثر حزما .