الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رحلة في عقل الحانوتي التركي "أردوغان"


الفارق بين صاحب القضية ومن يتاجر بها .. هو كالفارق بين الطبيب والحانوتي "متعهد الدفن" .. الطبيب يحاول أن ينقذ المريض في صمت .. أما الحانوتى ينتظر موت المريض ليرفعه على الاكتاف صارخًا "وحدوه" تمهيدا لدفنه .. وقبض ثمن الدفن . 

الرجل وضعيته ودوره مثير جدًا .. ليس لأنه يمارس أنماط الحرب الباردة فقط وصراخه شبيه بخطابات الحرب العالمية الثانية .. وإنما لأن الرجل تلبس دوره عن اقتناع .. وعندما صُنع له دوره صدق التمثيلية وعاشها .. أو ربما يحاول أن يُتقن الدور الذى يلعبه . 

للوهلة الأولى قد يظن جمهور الاردوجان أنه يحارب لعقيدة.. والحقيقة أن الرجل يلعب دورًا حاسمًا في دفن الحالة كلها .. فهو العلمانى التركي الذى استطاع تدمير وإنهاء دور حركة الملي جورش التي أسسها ابوه الروحي نجم الدين أربكان كما قال هو عن الرجل .

أبوه الروحي اربكان الذى لم يعترف به يومًا .. ولم يثق فيه للحظة اتهمه بأنه هو من فكك حزبه وحركته .. وبالرغم من أن أردوجان كان أحد أعضاء حزب أربكان .. إلا أن الأستاذ الحقيقي لأردوجان هو فتح الله جولن .

فتح الله جولن الذى استخدمه أردوجان للوصول الى السلطة واستغل حركته الاجتماعية التي كانت القاعدة الاجتماعية للأحزاب الاسلامية التركية برمتها .. تلك الحركة التي تسعى وفق أهدافها الجيوسياسية الى استخدام الأقليات التركية في القوقاز والشرق الأوسط لخدمة الأهداف القومية التركية . 

استمر أردوجان يتحرك على خطى فتح الله جولن كمرشد أعلى له ولسياساته وسار على الطريق المرسوم له .. حتى بدأت لحظة القيام بالدور الاستراتيجي المُخطط له .. ألا وهو ما يسمى ثورات الربيع العربي .. ليبدأ في تدمير جولن وحركته. 

كان الذي جرى في تركيا .. أن اردوجان بدأ في الكشف عن اخوانيته الاصلية .. والمقصود هنا بالإخوانية.. الدور الوظيفي "لجماعة الاخوان الإرهابية" وهو المشروع الاستراتيجي الذى تم على أساسه توظيف الإسلام السياسي كمعادلة تحٌكم وسيطرة في منطقة الشرق الأوسط .. في ثلاثة اتجاهات رئيسية .. الأول من ناحية استخدامها كوسيلة ضغط على أنظمة الحكم العربية بهدف السيطرة عليها إذا حاولت الأنظمة المناورة أو الاختلاف معها .. الثاني صناعة هوة واسعة بين مكونات النسيج الاجتماعي العربي عبر صناعة نزاعات اجتماعية دينية وطائفية ومذهبية .. والاتجاه الثالث كوسيلة استخدام لمحاربة الخصوم الاستراتيجيين على شاكلة ما جرى في أفغانستان وقت الصراع مع الاتحاد السوفيتي .

مشروع الاردوجانية الاخوانية هو ما صنع الخلاف والانفصال الاستراتيجي بين اردوجان وفتح الله جولن .. لأن جماعة كولن لها ميل قومى تركي .. في حين أن رجل الحرب الباردة يسعى لاستخدام الإسلام السياسي وتنظيماته وتوظيفها في صراع دولي . 

أردوجان الإخواني .. بدا لتمهيد الطريق لتركيا للعب دور جديد في صناعة ميليشيات إسلامية يتم استخدامها على الطريقة الأفغانية على تخوم طريق الحرير .. ونقل التجربة الأفغانية عبر الأقليات التركمانية الى القوقاز وحدود روسيا .. وفى شمال افريقيا عبر ميليشيات الإرهاب في ليبيا .. وفى عمق أوروبا عبر تجييش الاتراك والمسلمين العربي في اكبر مشروع تمزيق اجتماعي في أوروبا .. وهنا يبرز السؤال لمصلحة من يعمل الاردوجان ؟!

ليس مصادفة إذًا ان حرب أردوجان على جولن .. بدأت في 2010 قبل شهور من بدأ ثورات الربيع العربية .. واشتدت في 2013 بالتزامن مع ظهور داعش .. وليس غريبًا أن داعش هاجمت من البداية كردستان وميليشيات حزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا .. حتى أنه وبالتزامن مع عملية درع الفرات التركية في سوريا .. بدأت داعش تهاجم مواقع الاكراد لتخفيف الضغط على دخول الجيش التركي الى عمق سوريا .

انتهى أردوجان من الإسلام الاجتماعي وأشكاله الصوفية في تركيا .. وجعل من وضعيته الجيوسياسية في سوريا ومواجهته الميليشيات الكردية وسيلة لخداع القوميين الاتراك لصالح مشروع توظيف الإسلام في الصراع الدولي. 

أردوجان الذى عزز الانقسام الفلسطيني وتاجر بغزة وصنع لها هوية وقضية منفصلة عن الضفة .. يصرخ بميكروفونه أنقذوا غزة بينما الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة من القواعد التركية . 

إن اردوجان واخويته الدينية .. هم استكمال لما بدأته ميليشيات العنف الطائفي الشيعية .. وهم جزء من مشروع فوضى إقليمية يحارب كل بلد يقف على قدمين، ولم يتم استدراجها لحالة الفوضى . 

أردوجان استخدم ميكروفونه لتجييش الاتراك والإسلاميين في أوروبا .. وفق مشروع تمزيق اجتماعي ايضًا .. بنفس الطريقة صنع التيار الاردوجاني الاخوانجي من الإسلام حالة حربية على المجتمعات وعبر الحدود بأشكال متعددة ميليشياوية واحتجاجية . 

أردوجان شخصية بمواصفات الحرب الباردة .. وهو الآن يلعب دوره الجيوسياسي بتحويل الإسلام الى حالة صراع فى كل مناطق التماس والنزاع في العالم . 

سينتهى أردوجان .. بعدما يلعب دوره في اضعاف وتقسيم المجتمعات المُسلمة .. بنفس القدر الذى يلعبه قاسم سليماني بميليشياته الطائفية .

سينتهى دور أردوجان يومًا ما .. بعدما ينفذ مرحلة من الاستخدام الاستراتيجي للإسلام السياسي .. وسيظل دراويشه في أخويته العالمية يرثونه يوميًا .. متذكرين صرخاته السياسية وقصصه التاريخية ورقصاته الاستراتيجية.

سينتهى اردوجان لأن من صنعه ووظفه .. كتب بنفسه نهايته وعززها منذ اللحظة الأولى لصعوده السياسي من قلب إسطنبول .. لكن وقتها لن ينتهى وحده .. سينُهى على ما تبقى من التماسك الاجتماعي التركي .. إذ ان ما صنعه من الفوضى سيكون يوما ما في قلب تركيا .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط