ترامب المهزوم دائما لا يمل من إعلان النصر.. الرئيس الأمريكي يتراجع عن موقفه من إدراج خانة الجنسية في التعداد.. قممه مع زعيم كوريا الشمالية شاهدة على فشله.. والجدار الحدودي أكبر إخفاقاته

ترامب يخلق الأزمات ثم يتراجع أو ينهزم ثم يعلن النصر
الاعتراف بالهزيمة تشكل تهديدًا لوجود ترامب السياسي
مؤيدو ترامب أنفسهم غير راضين عن نتيجة معركة التعداد
ترامب زعم "النصر الكامل" بعد خسارة حزبه أغلبية مقاعد مجلس النواب
لعل الملمح الأبرز والأكثر وضوحًا للعيان في شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الصراحة المفرطة وقلة الاكتراث بما تفجره تصريحاته من جدل أو استهجان، حتى بدا وكأنه يتبع نمطًا مألوفًا منذ بداية رئاسته: يخلق أزمة، ثم يتراجع، ثم يعلن النصر، ويستمر على هذا المنوال.
وفي تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، قالت إن هذا النمط ينطبق مثلًا على تعهده الانتخابي بإدراج خانة الجنسية في بيانات تعداد سكان الولايات المتحدة لعام 2020، الأمر الذي رفضه كثيرون واستهجنوه لما رأوه فيه من منحى عنصري، وقبل أيام تراجع ترامب عن تمسكه بهذا الإجراء، وأمر الوكالات المعنية بدلًا من ذلك بمشاركة بياناتها مع وزارة التجارة، التي تشرف على المسح العشري للسكان (كل عشر سنوات).
وفسرت الوكالة هذا التوجيه الأخير بأنه صدر خصيصًا لحفظ ماء وجه ترامب، ولكي يخلق ضجة تهيئ له فرصة إعلان النصر حتى وهو مهزوم، فقد برهن أكثر من مرة على رفضه العنيد الاعتراف بأخطائه، حتى ضئيل الشأن منها، منذ دخل البيت الأبيض.
وبعد معركة حامية في القضاء والإعلام امتدت لعامين لإدراج خانة الجنسية في التعداد، أعلن ترامب الأسبوع الماضي أن هذا الإجراء غير ضروري، لأن النظام الفيدرالي لمشاركة المعلومات يمكن أن يقدم بيانات أكثر دقة.
ومن دون دليل، زعم ترامب "إننا نعرف بالفعل من هم المواطنين ومن ليسوا كذلك، وأعتقد أننا نعرف ذلك بدقة أكبر".
ويرفض معارضو ترامب، ومنهم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، الذي خاض معركة قضائية ناجحة ضد إدراج خانة الجنسية للتعداد، الاقتناع بوجاهة هذا المنطق.
وقال دالي هو، مدير مشروع الحق في التصويت باتحاد الحريات المدنية "ربما كان ترامب يزعم انتصاره اليوم، لكن هذا ليس أقل من هزيمة مذلة له ولإدارته".
وهناك دلائل على أن مؤيدو ترامب أنفسهم، الذين لطالما ساندوه في معركة التعداد، غير راضين عن النتيجة ولا مقتنعين بانتصاره المزعوم.
وأضافت الوكالة أن خاتمة معركة التعداد تلك شبيهة بمشهد آخر وقع قبل ستة أشهر، حين أعلن ترامب بزهو أنه نجح في التوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة إغلاق الحكومة، على خلفية إصراره هو على إقرار الكونجرس تمويل الجدار الحدودي الذي يسعى إلى بنائه على الحدود مع المكسيك.
وبالرغم من تبجح ترامب بالنصر، فإن الكونجرس لم يكن قد أقر هذا التمويل، وإنما كان ترامب هو من تراجع عن مطالبه تحت ضغط انتقادات ومعارضة متنامية لخطة الجدار الحدودي، لكنه أعلن النصر على كل حال.
وبعد أسابيع من هزيمته في معركة الجدار، عاد ترامب ليزعم أن "الجدار يُبنى كما وعدنا"، وأضاف موجهًا كلامه للمهاجرين المتسللين عبر الحدود "سيتعين عليكم أن تكونوا بصحة جيدة للغاية لتعبروا هذا الجدار. أعتقد أن تسلق جبل إفرست سيكون أسهل بكثير".
وفي الحقيقة، كان ما جرى بالفعل أن ترامب أمر بتعلية السياج الحدودي الموجود بالفعل بمقدار ضئيل للغاية لا يبرر كل هذا التبجح، خاصة عند مقارنة النتيجة بالجدار الرهيب الذي وعد ببنائه إبان حملته الانتخابية عام 2016.
واتبع ترامب نمطًا مشابهًا في اليوم التالي مباشرة لهزيمة حزبه الجمهوري وفقدانه الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب في نوفمبر الماضي، ما أدى إلى تكثيف رقابة وإشراف خصومه الديمقراطيين على تحقيقات الكونجرس التي يمس الكثير منها نزاهته، فحينئذ خرج ترامب بتصريح عجيب قال فيه "أعتقد أننا حققنا شيئًا قريبًا للغاية من النصر الكامل".
وليس من الغريب أو من قبيل المفاجأة أن ترامب يرفض بعناد الاعتراف بهزائمه، وأن يستعيض عن ذلك بإعلانات النصر الصاخبة، فالاعتراف بالهزيمة من وجهة نظر ترامب كفيل بتهديد وجوده السياسي، هو الذي حشد أنصاره خلف وعد بـ "إننا سنحقق الكثير جدًا من المكاسب. سيصيبكم التعب من فرط الانتصار".
وحتى في ميدان السياسة الخارجية، لا ينفك ترامب يعلن انتصاراته في حين يرسم الواقع صورة مغايرة تمامًا.
بعد قمته الأولى مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في 12 يونيو 2018 بسنغافورة، هرع ترامب إلى حسابه على "تويتر" كعادته ليعلن أنه "لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية"، مع أن أي تغيير لم يطرأ على مخزون الأخيرة من الأسلحة النووية.
وبعد انتهاء قمة مجموعة العشرين في اليابان الشهر الماضي، ذهب ترامب للقاء كيم جونج أون على الحدود بين الكوريتين، ومن هناك زعم أن قمتهما الثانية في فيتنام فبراير الماضي كانت ناجحة، بالرغم من أنه، وأمام أنظار الجميع وعدسات آلات التصوير، بتر اجتماعه مع نظيره الكوري الشمالي فجأة وغادر مقر القمة، بسبب خلاف حول طلب بيونج يانج رفع العقوبات الأمريكية بالكامل.