الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد فتحي الشريف : حكايات إنسانية من حادث المنيل الإرهابي

صدى البلد

قبل منتصف الليل بدقائق معدودة وفي يوم شديد الحرارة،  جلس محمود شاب في منتصف العقد الثالث من عمره على كورنيش نيل القاهرة يتلمس نسمة هواء وينظر إلى النيل البديع ويدعو الله أن يحفف عن نجله المرض فقد خرج محمود من الصعيد قبل يومين برفقة نجله خالد الذي لم يتجاوز 6 سنوات ليعالجه من ورم سرطاني خبيث في معهد الأورام بالقاهرة .

جلس محمود على ضفاف النيل أمام معهد الأورام بعد أن اطمأن على دخول خالد ابنه في غرفته المجهزة ، وأخذ يراجع مشاهد مرض ابنه ومعاناته حتى وصل إلى القاهرة يتلمس الشفاء من الله ويدعو لكل من شارك في مشروع علاج ابنه على نفقة الدولة بالستر والصحة والعافية فالمرض خطير والعلاج مكلف، وهو لا يملك سوى بعض قراريط في إحدى قرى الصعيد يعمل فيها مزارعا ليوفر متطلبات الحياة الضرورية له ولزوجته أولادة الأربعة ،حتى أصيب خالد بهذا المرض اللعين وكانت الرحلة الشاقة التي كللت بتوفير مكان له بالمعهد وبدأ العلاج .

اتصل محمود هاتفيا بزوجته في الصعيد وهو جالس على الكورنيش المقابل للمعهد يشاهد غرفة ابنه وقال لها الحمد لله بدأ خالد رحلة العلاج اليوم، وأخذ يصف لها الاهتمام من الأطباء وطاقم التمريض ونظافة المكان وان شفاء خالد سيكون قريبا إن شاء الله ويصف لها روعة المكان وانه جالس على نيل القاهرة يتسامر مع مرافقي بعض المرضي ويثني على المسئولين في الدولة الذين وفروا لنجله العلاج المجاني ويحمد الله ويتمني أن يعجل الله بشفاء خالد .

بعد أن أنهي محمود حديثه مع زوجته وفي لحظات يجد سيارة تسير عكس الاتجاه بسرعة كبيرة أمام المعهد وتصطدم ببعض السيارات ويتحول المكان إلى قطعة من اللهب مصحوبة بانفجار عظيم حول المشهد إلى جحيم وأشلاء تتطاير في مكان وسيارات تحترق وزجاج يتناثر مشهد لم يره إلا في أفلام السينما الأمريكية .

حاول محمود الدخول إلى المعهد للاطمئنان على خالد في هذا المشهد الرهيب الذي خلفه و صنعه الإرهاب ولكن لم يتمكن من الوصول إلى نجله وفقد حياته في الطريق إلى غرفة خالد وماتت أحلامه على أبواب معهد الأورام على يد الإرهاب والخيانة ، ومات محمود وترك خالد في بداية رحلة قاسية مع العلاج ، ويبقي السؤال المطروح إن قدر الله لخالد الشفاء ،كيف يرى أفعال هؤلاء الخونة الذين اغتالوا والده في ريعان شبابه .؟وكيف تراهم زوجة محمود .؟ وكيف يرى أشقاء خالد هؤلاء المجرمين الذين اغتالوا والدهم وهو يبحث عن شفاء نجله .؟

تلك قصة قد تصادف الواقع أو تتشابه معه ،ففي هذا الحادث الإجرامي قصص وحكايات تكشف عن حجم الدمار الذي خلفته تلك العملية الإرهابية فهو لم يكن دمارا في المبني والمنشآت فقط إنما كان دمار لأسر وبيوت الضحايا فهناك حكايات إنسانية يندي لها الجبين وتقشعر منها الأبدان لو طرحت في الإعلام لأصبحت رسالة قوية لكل من يأوي إرهابيا أو يتستر على خائن أو يتعاطف مع مجرم معدم الدين والإنسانية أن يقدمه للعدالة لن تهزم الدولة الإرهاب وحدها ولكن يبقي دور الشعب في الكشف عن هؤلاء المجرمين والتعاون الايجابي مع الدولة حتى نطهر بلادنا منهم فهم أحقر من الحشرات فقد خرجوا من الإنسانية .

سيبقي هذا الحادث الإرهابي الغاشم الأليم دليلا دامغا على أن هذه العصابات المارقة المجرمة لا دين لها فقد كفروا بالله وبالإنسانية والحيوانات أعلى شأنا منهم في عرف الناس .. ويبقي الشعب هو البطل .

في النهاية أوجه تحية لرجال الأعمال المصريين والعرب والرياضيين والفنانين وأبناء الشعب المصري من مختلف الطبقات الذين سارعوا بتلبية نداء المرضى الذين يعالجون في هذا المعهد التاريخي ..فالإعلام المصري كان على قدر المسؤولية وقام بحملة تاريخية فكل من شارك في هذا العمل ولو بكلمة يستحق الشكر والتقدير وتحيا مصر والأمة العربية.