الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هولندا / سبينوزا / نجيب محفوظ / فرج فودة "١"


العُصُورُ الوسطى أو القُرُونُ الوسطى هي التسمية التي تُطلق على الفترة الزمنية في التاريخ الأوروبي التي امتّدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي. حيث بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية واستمرت حتى عصر النهضة والاستكشاف.
ولم تكن أوروبا في العصور الوسطى كالآن، بل كانت تنتشر بها الخرافات التي لن تصدقها فلا يوجد أي مقارنة من أي نوع بين أوروبا الآن وأوروبا في العصور الوسطى.

فمثلا لم يكن هناك أي علاج للمشكلات النفسية في حيث كانوا يظنون في ذلك الوقت أن المريض النفسي مسوس من قبل "الجن" ولذلك كانوا يذهبون به إلى رجال الدين "الكهنة" لكي يقوموا بعلاجه، وذلك لإخراج "الجن" منه بواسطة الصلوات والأدعية والأحجبة، وإن لم تنجح هذه العلاجات فإنهم كانوا يلجأون إلى العلاج بطرق مخيفة كالعزلة والضرب والجلد لتخرج الروح الشريرة وكانوا يجعلوهم مكبلين اليدين لفترات قد تصل إلى عشر سنوات.
وهذا يعكس مستوى انتشار الخرافات التي صاحبها انتشار التطرف وانتشار السحر.

أما علاج الأمراض العضوية في القرون الوسطى في أوروبا فلم يكونوا يذهبون للطبيب، بل كان التنجيم هو السائد في علاج الكثير من الحالات وقد كان يتم استخدام الأدوات المدببة وبدون تخدير إطلاقًا وكانوا يستخدمون النظريات البرية لعلاج المرضى.
بعد هذه اللمحة السريعة الكاشفة.. يمكننا أن نطلق هذا السؤال: كيف تخلصت أوروبا من هذه الخرافات وأصبحت كما نراها الآن: واحة للعلم والتقدم والتكنولوجيا؟
إن ذلك لم يحدث بين عشية وضحاها، ولكنه، كما لم يخيم الظلام الدامس والجهل المستشري، على أوروبا بين ليلة وضحاها، فإن شروق شمس العقل لم تكن تظهر هكذا فجأة دون أن يتم العمل على إزالة تلك السحب الكثيفة التي تحجبها.
وكانت البداية من العصور الوسطى المتأخرة تلك الفترة في التاريخ الأوروبي وحوض البحر المتوسط ما بين منتصف القرن الثالث عشر ومطلع القرن السادس عشر للميلاد، أي ما بين عام 1250 و1500م تقريبًا

ابتداءً من القرن الثالث عشر تكونت الدول القومية الأولى في البرتغال وفرنسا وجنوب إيطاليا وإنجلترا (وانطلاقًا من القرن الخامس عشر تكونت دول أيضا في روسيا وإسبانيا) في حين لم تسمح الظروف التاريخية والاجتماعية في تكوّن دول موحدة في باقي شبه الجزيرة الإيطالية وفي ألمانيا، لذا ازدهرت المقاطعات - بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر- التي بعثت الحياة في العديد من كيانات الدولة الصغرى (المعروفة في إيطاليا حينها باسم سنيورية)؛ فيما بعد اكتسبت بعضها صفات الدويلات الإقليمية الحقيقية.

وفي العصور الوسطى المتأخرة بدأت سلطات الكنيسة والإمبراطورية الرومانية المقدسة، بعد أن وصلت إلى أوج عظمتها، في الاضمحلال لصالح الممالك القومية التي كانت رسخت كيانها حينها، لتضفي على أوروبا ذلك الطابع الذي لا تزال تتميز به من مزيج الدول والشعوب، المتقاربة غالبًا، والمختلفة في الوقت ذاته فيما بينها.
ثم جاء عصر النهضة (بالإيطالية: Rinascimento)‏ وهو حركة ثقافية استمرت تقريبا من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر. وكانت بدايتها في أواخر العصور الوسطى من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أرجاء أوروبا.
شهد عصر النهضة بوصفه حركة ثقافية ازدهارًا في الأدب باللغات المحلية وإبداعا في الأدب اللاتيني بدء من القرن الرابع عشر، ونهضةً في التعلم المعتمد على المصادر الكلاسيكية، وتطور الرسم المنظور والتقنيات الأخرى لجعل الرسم أكثر واقعية وطبيعية، والإصلاح التعليمي الذي كان متدرجًا لكن على نحو منتشر. ومن الناحية السياسية، ساهم ظهور عصر النهضة في تعدد المعاهدات الدبلوماسية بين الدول.
أما في مجال العلوم فكان التحول إلى الاعتماد على الملاحظة "المنهج التجريبي" الذي من أهم فلاسفته الفيلسوف الإسكتلندي الكبير "ديفيد هيوم" الذي أحدث ثورة معرفية بنظريته في المعرفة، لدرجة أن قال عن نفسه كبير الفلاسفة إيمانويل كانط: أني كنت دوغمائيا قبل أن أتعرف على فلسفة ديفيد هيوم.
وعلى ورغم من أن عصر النهضة قد شهد انقلابات في العديد من الممارسات الفكرية واضطرابات سياسية واجتماعية كذلك، إلا أنه امتاز بالتطورات الفنية واسهامات المثقفين مثل ليوناردو دا فينشي ومايكل آنجلو، الذي ابتكر عبارة رجل عصر النهضة.
إن الصراعات السياسية والدينية والاجتماعية كانت على أشدها في ذلك العصر، فهناك صراع بين السياسة والدين، وصراع آخر بين الدين والعلم، وصراع ثالث بين الفلاسفة التنويريين وبين رجال الدين، فشهدنا اللاهوتيين يثيرون حفيظة رجال الملك والحكم والسلطة الذين يرتبطون معهم بمصالح متبادلة على الفلاسفة والمثقفين الذين كانوا قد رسموا طريقهم وعقدوا العزم على المضي قدما في تخليص العقل من الخرافات، وفتح الطريق أمامه ليذهب بعيدا في كافة المجالات.
وهنا كان لابد من واحة للحرية يلجأ إليها هؤلاء الفلاسفة والمفكرون والمثقفون فكانت هذه الواحة هولندا.... يتبع
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط