الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شبابٌ في خريفِ الصحافة


كان أمام القائمين على "مُنتدى اعلام مصر" في نُسخته الثانية تحدٍ هام، يتمثلُ في الإجابة عن تساؤل: كيف يُمكن للمُنتدى أن يقدم جديدًا يُميزه بين كم المُنتديات الإعلامية التي تُعقد خلال العام؟ هذا فضلًا عن التحدي الأزلي الذي سيظلُ مقرونًا بهذا المنتدى، والمُتمثل في كلمة "مصر" التي تُزين اسمه، والتي ستضع على عاتق مُنظميه دومًا مسئولية جادة، بأن يتناول قضايا الإعلام المصري بصورة شاملة، ويجتذبُ مُتحدثين وحضورا من مُختلف المدارس الإعلامية، بهدف تبادل الرؤى، وتحقيق التراكم في الخبرات، وتعزيز قدرات ومهارات الأجيال الحديثة، وإعادة التأكيد دومًا على أخلاقيات ومعايير المهنة.

اتخذ مُنتدى إعلام مصر من مُصطلح "الصحافة الجيدة" عُنوانًا لنُسخته الثانية هذا العام، والعنوان الذي يبدو بسيطًا في تكوينه ودلالاته، يُشكل الهدف والغاية التي ينتهي إليها كُل نقاش حول واقع ومستقبل مهنة الإعلام، حيثُ يعترف الكلُ بالمرض، ليبقى السؤال: كيف يُكون العلاج؟ ومتى يتحقق ذلك؟ ولعل المدهش أن مُصطلح "الصحافة الجيدة" الذي تم طرحه بين أروقة المُنتدى، يُشير في واقع الأمر ـ وفق اجتهادات خبراء الإعلام في العالم ـ إلى عودة الصحافة لممارسة الدور الأساسي الذي وجدت من أجله، والاحتذاء بالمعايير المهنية والأخلاقية التي تجعلُ وحدها من الصحافة مهنة ذات قيمة وأثر.

أجمع المتحدثون خلال جلسات المنتدى على الاعتراف بأن وضع الصحافة في مصر سيئ، بالقدر الذي بات يُهدد وجود هذه المهنة وبقاءها، فثقة المُتلقي فيما يقدمه الإعلام غائبة، والتطور التكنولوجي يدفع شرائح كبيرة إلى إيجاد بدائل جديدة للمعلومة، والمُحتوى الإعلامي بات ضعيفًا ومكررًا وباهتًا لا يؤدي دوره في التوعية والتنوير ولا يملك القدرة على المُنافسة، كما أن المناخُ غدا طاردًا لأعداد كبيرة من أهل الصحافة قررت خوض مغامرة تغيير المسار الوظيفي معظمهم من ذوي الكفاءات.

إن كان الجميعُ يملك شجاعة الاعتراف بالمُشكلة، والإشارة إلى الجرح، فليس كُلهم يستطيعون كتابة الروشتة ومداواته، فبينما أرخى المُتحدثون خلال جلسات المُنتدى ستائر اليأس أمام أعين شباب الصحفيين الذين يُواجهون بكل قسوة خريف مهنة الصحافة التي لم يُدركوا ربيعها، كان للمُدربين في ورش العمل رأيٌ آخر، حيث رفعوا راية "التدريب" كقيمة عليا، وأتاحوا فرصة جادة للبراعم اليانعة في مهنة الصحافة التي تشغل الجانب الأكبر من الحضور، لاكتساب المهارات والخبرات في أدوات العمل الصحفي، وتشريعاته، وأخلاقياته، والتعرف على الاحتياجات المُستقبلية لمواكبتها، وكانت ورش العمل على قدر عالٍ من التخصص والتنوع، فضلا عن عدم تقاطع توقيتاتها مع مواعيد الجلسات النقاشية لضمان المشاركة.

وحرص مُنتدى اعلام مصر خلال جلساته وورش عمله، على الاجابة عن التساؤل الرئيسي: كيف يمكن ايجاد صحافة ذات جودة؟ من خلال تقديم أدوات واضحة ومُحددة لتحقيق ذلك وتدريب الشباب عليها، إلا أن التساؤل الآخر الذي طرحه المُنتدى ولم يجد له اجابة، هو إشكالية الحد الفاصل بين الصحافة والسياسة، والذي بدا خلال الجلسة الختامية كمنطقة شائكة، جال الجميع حولها دون خوضها، حيث تتعلق هذه الإشكالية على نحو كبير بحدودِ مناخ الحرية الذي ينادي به دومًا أهل الصحافة ويُعدُ أحد أسباب الحياة لهذه المهنة، فهذا المناخ شهد حالة من عدم الانضباط بعد أحداث يناير 2011 أضرت أول ما أضرت بسُمعة الصحافة والعاملين بها، وربما لذلك نجد العديد من حكماء هذه المهنة يشيرون إلى أهمية وجود إطار حاكم لهذه الحرية، ضابطًا لها، موجها مؤشر بوصلتها دومًا نحو الوجهة الصحيحة، ليعود الإعلام إلى تأدية مهمته السامية كرقيب، وراصد، ومتابع، ومحلل، ومُشكل للوعي والضمير.

أثارت رسائل منتدى اعلام مصر في نفوسنا الشوق إلى صحافة ذات جودة، ولعل الأمل يكمن في قلوب وعقول الشباب الذين يواجهون خريف مهنة الصحافة، والذين قابلتهم في المنتدى ورأيت في أعينهم الشغف، يبحثون عن أدوات العلم، لنجد على ايديهم عما قريب صحافة تحظى بالثقة، تخلق المعرفة والتنوير، وتقدم المعلومة بدقة ودون تحيز، لا تساهم في نشر اليأس، أو التحريض على الكراهية، تنهض بالمجتمع، تصنع الذوق ولا تنصاع إليه، وتواكب تفضيلات الجمهور دون أن تخضع لأهوائه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط