الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الصعود والهبوط النفسي


كل منا يسعي جاهدًا لأن يحيا حياة أفضل، وطلب الرزق دائمًا أبدًا هو المحرك الأساسي للانشغال الدائم، وكلما زادت أعباء الحياة كلما زاد الهم وزاد التفكير وزاد الإحساس بالإحباط، ولا يتساوى الجميع في ردود الأفعال، فالبعض يستسلم للإجهاد النفسي وينشغل بحاله و يتحول إلي شخصية ذات طابع يتسم بالتوتر والانفعال، والبعض يتحول إلي شخصية انطوائية يرفض المجتمع بكل ما فيه من معاناة وشقاء، والبعض الآخر يتحول إلي شخصية عدوانية حقودة لا تتحمل الضغوط وترفض أن تعاني وأكثر ما يشغلها هو نجاح الآخرين، والقليل منا من يشعرون بالرضا والصبر.

وبعيدًا عن العمل نجد المشكلات الحياتية الناتجة من التعامل مع الآخرين في علاقات مختلفة مثل علاقة الإنسان بأهله أو أولاده أو شريك حياته وأصدقائه، تلك العلاقات ينتج عنها باستمرار تحول نفسي يختلف بين الصعود والهبوط وفقًا للمواقف والأحداث ،فكلما كانت العلاقات مستقرة تحدث حالة من الصعود النفسي فتتحسن النفسية وتستقر المشاعر ويستطيع حينذاك الإنسان أن يتحمل العقبات المختلفة، ويتقبل الأمور بصورة تفاؤلية إلي حد كبير، على عكس وقت الأزمات حيث تنكسر القوة الروحية وتهبط النفسية وفقًا للحدث وتُدخل صاحبها في حالة اكتئاب وحزن ورفض للواقع وأحيانًا رفض للحياة بصفة عامة.

وتختلف حالات الصعود والهبوط النفسي من شخص لآخر وفقًا لقوة شخصيته وذكائه واستيعابه للقضاء والقدر وتفهمه للتغيرات المجتمعية من حوله، ولكن تبقي المشكلة المستمرة هو الانتقال بين حالة الاستقرار النفسي ذات المعنويات المرتفعة وبين حالات الهبوط المأسوية وشدة الحزن والإحساس بالضعف الذي قد يؤدي إلي الاستسلام التام للمأساة وقد يفتح أبواب المرض الجسدي أو النفسي وتتحول الحياة إلي متاهة معقدة يصعب الخروج منها أو التعايش معها.

من أكثر العوامل التي تساعد علي تخطي تلك الحالة بمختلف أسبابها هو الإحساس بالأمان الذي يأتي نتاج طبيعي للإحساس بالحب الصادق والاهتمام الحقيقي، لذلك نري بعض الأطفال في مراحل مختلفة يحتمي وقت أزماته في أحد والديه وفقًا لمقدار حبه لهما، وقد يحتمي الرجل في زوجته أو المرأة في زوجها أو يحتمي البعض بأصدقائه ، ويكون المحرك الأساسي لتلك المشاعر هو عامل الأمان النفسي، فالإنسان عندما يشعر بالسند الحقيقي يطمئن وبالتالي يستطيع أن يتخطى مراحل الهبوط النفسي سريعًا وبدون خسائر بدنية أو نفسية.

العامل الأقوى والذي يساعد علي تقبل الحياة بصعوباتها وأزماتها هو العامل الديني، بمعني أدق درجة إيمانه بخالقه، وثقته في المولي عز وجل، فالإيمان المطلق يؤدي إلي اليقين التام وبدوره يحفز القدرة علي الصبر والصمود، ولكن أحيانًا يأتي الصبر يصاحبه الحزن الشديد الذي يؤدي إلي المرض رغم الإيمان بالقدر والثقة في الله كما حدث مع سيدنا يعقوب عندما أبيضت عيناه من الحزن لفراق يوسف عليه السلام رغم ثقته بقدرة الله التامة ورغم كونه نبي من أنبيائه، ولَم يجد سوي الصبر أمامه والدعاء حتي إنقضت تلك المحنة وزال الابتلاء والتقي بيوسف من جديد.

المشكلة الكبري هي تكرار حالات الهبوط حتي تتحطم نفسية صاحبها، ويفقد الثقة في نفسه وفِي من حوله من الناس، حينئذ يسود القلب وقد يصاب بالعمي الكلي الذي يعجز معه الإنسان علي الرؤية السليمة للأحداث من حوله، فيتحول إلي شخصية منعزلة تنتظر الموت، أو شخصية دائمة الصراخ حتي لأتفه الأسباب ، إذا رأيت من حولك يتعرضون لتلك الحالة السيئة حاول أن تروح قلوبهم بين الحين والآخر وتهون عليهم وتعيد إليهم الثقة بالنفس والثقة بالخالق العظيم، فالتكرار المستمر للهبوط النفسي قد يدمر ما تبقي من أعمارهم ويدخلهم في نفق مظلم لا خروج منه، وذكرهم بقوله تعالي (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ).
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط