إذا كنت من محبي الآثار والتراث بمختلف عصوره، وقررت زيارة وادي النطرون ستعثر على مبتغاك هناك، حيث توجد 4 أديرة أثرية رائعة، يأخذنا في رحلة تاريخية فيها د.محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق، وذلك عبر 4 حلقات.
وقال لصدى البلد: إن أول هذه الأديرة دير الأنبا بيشوى، ويعتبر من أشهر أديرة الوادى الأربعة، ويرجع إنشاؤه على أغلب الاحتمال إلى أواخر القرن الرابع الميلادى، كما أعيد ترميمه عام 645 م على يد الأنبا "بنيامين الأول".
كما أعيد أيضًا بناؤه حوالى عام 840م، ويعتبر المبنى الرئيسى للكنيسة يرجع إلى هذا التاريخ، ومنشئ الدير المذكور هو "الأنبا بيشوى"، وكان تلميذًا للقديس مكاريوس أحد زعماء النسك فى الوادى،وقد اشتهر بشدة ورعه وتقواه وقد وهب شبابه للتعبد وأصبح ناسكًا ذائع الصيت.
وسرعان ما التفحول صومعته كثير من التلاميذ الذين شغفوا بحياة الرهبنة، ومنهم أحد السريان الملقب "بأفرام" وهو ناسك وفد من سوريا، وسعى يبحث عن الأنبا بيشوىهذا بسبب ما سمع عنه وعن ورعه وقداسته.
وبوابة هذا الدير فتعد من أحسن مثيلاتها فى جميع أديرة الوادى الأخرى، ومنها يصل الزائر إلى القصر أو "الحصن" مباشرة، وهو من أمتن القصور فى كل الوادى، ومكون من ثلاثة طوابق وفى الطابق العلوى منه توجد كنيسة الملاك ميخائيل كما هى العادة فى جميع حصون الأديرة عامة، وفى أعلى حجاب هيكلها الخشبى مدون تاريخ إنشائه وهو عام 1782م، وقد شيدها المعلم إبراهيم الجوهرى.
وفي الدير كنيسة السيدة العذراء، وطاحونة وبئر الماء وقاعة صغيرة تسمى "أوضة الجارية"، وصندوق يحتوى على قليل من المخطوطات منها كتاب عن تاريخ بطاركة الإسكندرية لساويرس بن المقفع، ولعله أقدم مخطوط من نوعه للكاتب المذكور، ومخطوط قديم عن أخبار القديسين، ومنظر سور الدير من فوق سطح الحصن جذاب ويستلفت الأنظار.
وقال عبد اللطيف إن كنيسة الدير أوسع كنائس الوادي، وامتاز كذلك مكان المرنمين Choir فيها برحابته أيضًا، وهى فى الواقع مثل فريد لأقدم النماذج المبكرة فى تصميم الكنائس، ويرجع إعادة بنائها إلى حوالى عام 830 : 849م.
وتتكون من ثلاثة هياكل ومكان متسع للمرنمين وأجنحة جانبية تتجه لناحية الغرب، هذا وقد أدخلت عليها تعديلات فى المبانى ترجع إلى نهاية القرن الحادى عشر وأوائل القرن الثانى عشر، ومنها عدة تغييرات فى المبنى الرئيسى.
كما أضيف إليها رواقان وعدة هياكل صغيرة وطريق للمطعم وكان من جراء ما أحدثه النمل الأبيض من تخريب بمبانى الكنيسة وإتلاف أخشابها أن قام البطريرك الأنبا ميخائيل الثانى ببعض الإنشاءات والتعديلات فيها عام 1330م.
وكشف مساعد وزير الآثار السابق أن الأحجبة الخشبية المصنوعة من حشوات فمنقوشة بالرسوم البارزة من خشب الصنوبر وموضوعة أمام الهياكل الثلاثة، والأبواب الخشبية الأخرى المشغولة تعتبر نموذجًا فاخرًا للصناعة الخشبية الدقيقة، وهى الحرفة التى اشتهر بها النجارون القبط. وقد اعتبره العالم الإنجليزى افلين هوايت من أجمل ما صمم لها فى هذا الوادى منذ القرن الحادى عشر الميلادى.
وعلاوة على اتساع هذا الدير عن سائر أديرة الوادى، فإن حدائقه أكبر وأوسع كما كانت جيدة التربة عامرة بأشجار الفاكهة بأنواعها، كالكروم والنخيل والرمان والزيتون والنبق والخضروات وغيرها، وبئرها تمتاز بعذوبة مياهها وغزارتها، وتوجد في الدير أثار لمعامل الزجاج والفخار التي كانت رائجة في تلك المنطقة.
وأضاف: واشتهر فى تلك الصناعة طائفة مهرة من الرهبان، ومن بقايا تلك القطع من الزجاج وقواعد الكؤوس المزين بعضها بالمينا وما فيها من آثار الألوان، وكذلك من الأوانى الفخارية المهشمة بها يتبين لنا مدى الدقة والإتقان، التى كانت تقوم عليها تلك الصناعة فى تلك العصور العريقة فى القدم ومهارة العمال الفائقة فى إنجازها.