الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان يغرق بين بحرين.. الرئيس التركي يلغم مستقبله السياسي بمشروع قناة إسطنبول.. عمدة المدينة العريقة يستعد لسحقه في الانتخابات.. فورين بوليسي: مشروع مجنون بلا جدوى اقتصادية ويهدد البيئة

مضيق البوسفور
مضيق البوسفور

  • خبراء جيولوجيون يحذرون من آثار بيئية مدمرة لمشروع قناة إسطنبول
  • استطلاعات رأي تكشف إحاطة الغموض بالمشروع وجهل الأتراك بتفاصيله
  • أكرم إمام أوغلو يستثمر جدل المشروع لتأسيس موقف وطني مناهض لأردوغان
  • أردوغان عارض فكرة قناة إسطنبول في التسعينيات

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن مشروع قناة إسطنبول الذي يخطط له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلقى معارضة لا يُستهان بها من سياسيين وخبراء يحذرون من آثار سلبية اقتصادية وبيئية للمشروع، وفي الوقت الراهن يتزعم عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، حركة الرفض والضغط ضد المشروع، رافعًا شعار "إما القناة أو إسطنبول".

وأضافت المجلة أن أردوغان طرح في 2011 مشروعه "المجنون" لحفر قناة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة في الشطر الغربي (الأوروبي) لمدينة إسطنبول، لتكون ممرًا مائيًا موازيًا لمضيق البوسفور، بغرض تخفيف ضغط مرور السفن عن الأخير.

ويزعم وزير النقل التركي محمد شاهيت تورهان أن التقديرات الأولية للعوائد المنتظرة من مرور السفن في قناة إسطنبول تبلغ مليار دولار سنويًا، لكن يصعب تصديق هذا الادعاء لأنه ليس من الواضح لماذا قد تفضل السفن المرور من القناة بدلًا من مضيق البوسفور.

وتابعت المجلة أن لدى أردوغان هوسًا بالمشروعات العملاقة، وقد أمر ببناء جسر ثالث عبر البوسفور، وثالث وأكبر مطار في إسطنبول، وغير ذلك من مشروعات البنية التحتية العملاقة، لكن تلك المشروعات التي ربما تكون قد أكسبته شعبية في الماضي بدأت تقضم شيئًا فشيئًا من رصيده.

وفي ظل وضع اقتصادي هش ومترد، سيكون على أردوغان بذل جهد مضاعف لإقناع الناخبين الأتراك بجدوى تخصيص ميزانية عملاقة لمشروع قناة إسطنبول، خاصة مع التحذيرات الصاخبة من آثاره البيئية المدمرة.

وتشير تقديرات خبراء جيولوجيين للأثر البيئي المتوقع للمشروع إلى أن 200 ألف و878 شجرة ستتضرر منه، وخلال السنوات السبع التي سيستغرقها تنفيذ المشروع سيتم تنفيذ 360 عملية تفجير سنويًا، واستهلاك 4 آلاف طن من زيت نترات الأمونيوم كوقود، الأمر الذي يجعل من الصعب بمكان إقناع أي عاقل بجدوى المشروع.

ويشمل المشروع بناء منشآت تقدّر الحكومة أن يشغلها 500 ألف فرد، فيما تقدّر المعارضة أن مليوني شخص على الأقل سيترددون على هذه المنشآت، ما يخلق مدينة جديدة داخل مدينة إسطنبول المزدحمة أصلًا، كما سيجري بناء جزر صناعية في المياه، وتُقدّر الميزانية الإجمالية للمشروع بـ 15 مليار دولار.

وبجانب الأثر الاقتصادي والبيئي السلبي للمشروع، هناك أيضًا الأثر العسكري والأمني، فإمام أوغلو يحذر من أن المشروع سيحول إسطنبول القديمة إلى جزيرة يصعب الدفاع عنها، وفي حال مواجهة اي تهديد عسكري، سيتعين نشر القوات في "جزيرة" إسطنبول إما عبر الجسور أو عبر مضيق البوسفور.

وبحسب "فورين بوليسي"، لا يملك مؤيدو المشروع أي حجة للإقناع بجدواه سوى العوائد المالية المنتظرة منه، لكن مرة أخرى ليس من الواضح لماذا قد تختار السفن دفع رسوم عبور قناة إسطنبول، في حين يمكنها المرور مجانًا من مضيق البوسفور، الذي يخضع لقواعد معاهدة مونترو للمضائق.

وفي استطلاع رأي أجرته شركة "إسطنبول إيكونومي ريسيرش" في ديسمبر 2019، ظهر أن 49% من الأتراك لا يصدقون أن قناة إسطنبول ستولد مصادر جديدة للدخل.

وأضافت المجلة أن الحجج المضادة التي يطرحها إمام أوغلو لدحض فكرة المشروع حجج متماسكة وتحظى بقدر لا بأس به من القبول، حيث يركز على الجوانب الفنية والبيئية للمشروع، والتي من بينها تدمير الحياة النباتية في إسطنبول، وقد رفع الآلاف من سكان إسطنبول عرائض استغاثة إلى جهات حكومية تطالب بإلغاء فكرة المشروع.

وفضلًا عن ذلك، لا يعرف الأتراك سوى أقل القليل عن المشروع، وفي استطلاع الرأي المذكور آنفًا، قال 49% من المشاركين إنهم لا يعرفون شيئًا تقريبًا عن المشروع، فيما قال 40% إنهم على دراية بمعلومات قليلة عنه، وذكر 11% فقط أنهم يعلمون بعض التفاصيل، أما سكان إسطنبول أنفسهم فتبلغ نسبة من يعرفون بعض التفاصيل عن المشروع 12.5% فقط.

ووصف أردوغان المشروع بأنه حلمه الخاص، لكنه لا يدفع بأي حجج مقنعة لجدواه، وإنما يؤسس دعاية المشروع على الحس الوطني وحده، ويتهم معارضي المشروع بالافتقار إليه، على أن المفارقة هنا أن أردوغان نفسه كان أحد معارضي مشروع قناة إسطنبول عندما طرح فكرته رئيس الوزراء التركي الأسبق بولنت أجاويد عام 1994، وكان وقتها نائبًا بالبرلمان فيما كان أردوغان سياسيًا صغيرًا ومرشحًا لمنصب عمدة إسطنبول.

أما ما يشكل تهديدًا لمستقبل أردوغان السياسي، فهو أن أكرم إمام أوغلو يستثمر قضية مشروع قناة إسطنبول ليؤسس موقف وطني مناهض لأردوغان، ويعزز فرص إمام أوغلو في منافسة الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن بين الجوانب الغامضة المتعلقة بالمشروع مصدر تمويله، فإن كان من المخطط تمويله من ميزانية الحكومة فسيبدأ الناخبون بالتساؤل عما إذا كان ذلك هو التخصيص الأمثل للموارد، في ظل زيادة عجز الموازنة بنسبة 70% عام 2019 وحده، ليبلغ 21 مليار دولار.

وختمت المجلة بالقول إن أكرم إمام أوغلو، الذي ألحق بأردوغان هزيمتين متتاليتين في انتخابات إسطنبول المحلية وجولة إعادتها العام الماضي، يستعد الآن لإلحاق هزيمة ثالثة بالرئيس التركي، لكن في الانتخابات الرئاسية هذه المرة، وإذا ما استطاع تعبئة الرأي العام لإجهاض مشروع قناة إسطنبول فستكون ضربة مبكرة لأردوغان تمهد الطريق لهزيمته في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.