الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مع كورونا.. الإنسان القوى العظمى في الأرض


لم أكن أفرد مقالا لفيروس كورونا، ذلك أن جميع الكتاب تقريبا، أفردوا المساحات الكبيرة للكتابة عنه، ولأن الموضوع بالدرجة الأولى يخص العاملين في الطب، الذين يقع على عاتقهم ابتكار علاج وإيجاد مصل يقضي على هذا الفيروس، ولكن حوارا، مع مسؤول شركة التأمين النمساوية التي أنا عميل لديها، دار بيني وبينه وأنا بمكتبه أسجل سيارة جديدة وألغي تسجيل القديمة، جعلني مدفوعا لكتابة هذا المقال.

فالشاب الأجنبي - غير عربي - المتعلم في مدارس النمسا، والذي يمتلك العقلية الغربية بكل ما للكلمة من معنى، لم يكن مذعورا كما هو الحال لدى المجتمعات العربية، بل استقبلني في المكتب، وأنا الذي أعاني حساسية تجعل العطس ملازما لي، وتأخذ النوبة الواحدة فيه أكثر من عشر دقائق، أحتاج خلالها "علبة مناديل كاملة"، هذه النوبة التي آتتني وأنا أجالس مسؤول التأمين، والتي جعلتني خَجِلًا، فاستأذنت منه أن أخرج من المكتب وأعود بعد قليل، فرفض، ولكني أصررت، وعدت، فكان الشاب مبتسما متعجبا، حيث رأى أنه لا داعي لكل هذا الحرص المبالغ فيه.

أخذنا الحديث أثناء إنهاء الإجراءات؛ فإذا به يؤمن أن هذا الفيروس مُخلّق تخلقيا، وأن وراءه الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه نوع من الحرب وشيءٌ من الابتزاز، هنا، اتفق هذا الشاب الأجنبي مع النظرية "العربية" - إن لم يخل العالم منها كذلك - في أن فيروس كورونا ما هو إلا حرب بيولوجية شنتها أمريكا، واختارت لها الصين التي تهدد عرشها الاقتصادي، حيث أن الدراسات تؤكد أنه خلال عشر سنوات سيتفوق العملاق الصيني على الإمبراطورية الأمريكية اقتصاديا.

ويبدو هذا الطرح طرحا موضوعيا منطقيا، ولكني لا أستطيع أن أسير معه طويلا، فبمجرد السير خطوات؛ تقفز عدة أسئلة في ذهني؛ تحطم هذا التصور تحطيما، أول هذه الأسئلة: هل تخليق مثل هذا الفيروس سهلا وبسيطا؟ ثاني هذه الأسئلة: هل هناك قدرة لدى بعض الدول - غير الولايات المتحدة الأمريكية - على تخليق مثل هذا الفيروس؟ الثالث من الأسئلة يلح علينا: هل الصين من تلك الدول التي يمكنها تخليق مثل هكذا فيروس؟ السؤال الرابع: هل نقل الفيروس المخلق بسيطا وسهلا؟ خامس الأسئلة: هل تمتلك أجهزة المخابرات الكبرى، ومنها جهاز مخابرات الصين، أدلة على تخليق هذا الفيروس؟ والسؤال السادس: هل لدى الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها القدرة على منع انتشار الفيروس لديها؟

كل هذه الأسئلة في حاجة إلى إجابة؛ تلك الإجابة التي يمكنها أن ترشدنا إلى الحقيقة التي تتفق مع العقل والمنطق.

وإذا كانت إجابة السؤال الأول بالإيجاب وهو أن تخليق مثل هذا الفيروس بسيط وسهل، ومن ثم تستطيع دول غير الولايات المتحدة تصنيعه، إذًا بكل تأكيد تستطيع الصين المتقدمة علميا بسهولة شديدة تخليق فيروس آخر، ربما يكون أكثر خطورة من فيروس كورونا، وإذا كانت إجابة السؤال الرابع بالإيجاب، الذي يعني سهولة نقل الفيروس الذي تم تخليقه في دولة ما إلى دولة أخرى، فإن ذلك يسهّل العملية لأية دولة لديها القدرة على تخليق الفيروس، ولا يمكن لأية دولة أن تمنع ذلك النقل، هذا الذي يحيلنا السؤال الخامس وقدرة أجهزة المخابرات على رصد مثل هكذا حرب، وقدرتها على إدارتها حيث أنه الجهاز الوحيد الذي سيتم الاعتماد عليه بعد التخليق في بلده، ونشره في البلد المستهدف، في ذات الوقت الذي لا يمكنه منع انتشار الفيروس في موطنه المصنع فيه، والذي هو إجابة السؤال السادس، لو أخذنا بفرضية التخليق حيث لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في منعه من ولاياتها المختلفة.

لو الأمر كما فككناه سابقا، فإن فرضية أن يكون الفيروس في إطار حرب كبرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وأنه هو الجانب البيولوجي منها، هذه الفرضية - في تصورنا - تسقط تلقائيا، حيث أن لا أمريكا ولا الصين ولا روسيا ولا غيرهم من الدول قادرة على منع غيرها من استخدام نفس السلاح الذي هو متاح؛ إذ كيف لدولة مثل الصين لا تستطيع معرفة مصدر مثل هكذا ضربة موجعة - إن لم تكن قاتلة - ولا تعلن عن ذلك؛ خاصة وأن هناك دولا حليفة للمجرم الفاعل قد أصيبت إصابة بالغة - "إيطاليا" مثالا.

نظرية الحرب البيولوجية هنا لا تستطيع أن تمشي على قدمين، فهي قعيدة بل كسيحة.

وإن كانت هذه هي قناعاتي في تلك الفرضية، فإن إيماني الذي لا يتزحزح هو في انتصار الإنسان على هذا الفيروس الجديد، والذي لن يقدر على الإنسان، فالفيروس "المَرْعِب" "بفعل فاعل" ضعيف للغاية - كما يقول المتخصصون - وهو لا يقدر إلا على المسنين والمرضى، وذوي المناعة الضعيفة، ونسبة الشفاء منه تتخطى ٩٧% من عدد المصابين به، والذين يشفى منهم دون الحاجة إلى أدوية أكثر من ٨٠%، ذلك الذي يعني أنه أضعف من الإنفلونزا العادية، التي بها نسبة وفيات أعلى والتي هي منه أخطر.

أما ما يجب أن يتم الاحتفاء به - وبه فقط - فهم العلماء وهو العلم، حيث إنه المجال الوحيد الذي يؤكد يوما بعد يوم قدرة الإنسان الفذة في مواجهة الخطوب والأخطار، وهو فقط الذي يجعل من الإنسان القوى العظمى في الأرض.

سينتصر الإنسان بالعلم حتما على فيروس كورونا، كما وانتصر على غيره من الأعداء، وكما تكيف مع كل الظروف التي تحدته عبر التاريخ، وكما خرج من كل أزمة سابقة قويا، حيث يدفعه التحدي للانتصار، إذ أنه يتخذ من العقل أداة ومن العلم مجال، ومن الإبداع هدفا، ومن الابتكار أملا مرسومة خطوات تحقيقه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط