الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كرسم القلب .. مطارات مصر تنتظر الإقلاع والهبوط لتنبض فيها الحياة مجددا

مطار القاهرة الدولي
مطار القاهرة الدولي

جلس رجال المهبط يفترشون الأرض، يجاور كل ﺟﻨﺪيّ مُعدته الثقيلة، كأنه يعلن لحظة النهاية أو الهزيمة، على الجهة المقابلة تقف الطائرات المصرية تحت سماء القاهرة شامخة يتدلي من نافذة قيادتها العلم المصري يرفرف متمايلا مع نسمات الهواء كأنه يقول مازال هناك أمل وحياة ما دامت راياتي تباري في عزتها وجاهة السحاب.


وأنت تقرأ الآن، لن يحتاج ذهنك إلى استحضار تجربة سفرك السابقة أو رحلتك على الطائرة، يكفي فقط أن تتذكر زيارتك ذات مرة إلى حرم المطار في انتظار صديق أو حبيب، كي تشعر بمهابة تلك اللحظة التي أحدثك عنها، حينما أشارت عقارب الساعة إلى الثانية عشر ظهرا يوم التاسع عشر من مارس عام 2020م، معلنة عندها وقف رحلات الطيران إلى مصر ولأول مرة في التاريخ.


هنا كل المشاهد قد وقفت، العربات الصغيرة التي كنت تجدها مترامية في الأطراف أمام الصالات تنتظر حمل حقيبتك قد رتبت الآن، عبث الأطفال بالركض بين أقدام الركاب قد هدأ، عربات النضافة الصغيرة التي كانت تجوب صالات السفر والوصول باستمرار دون توقف قد سكنت، تلك الأيادي الممدودة نحو القادمين بالأحضان قد خذلت، ذاك العناق الحار الممزوج بلهفة اللقاء قد برُد، صورة حسناء السماء الرشيقة وهي مسرعة للحاق برحلتها قد غابت عن الأنظار.


أصوات المكبرات المنادية في ركاب الرحلات قد خفتت، ذاك السجال الدائم بين أصحاب الليموزين قد طوع، تباري العاملين والعاملات لاستقبال المسافرين قد انغلب، رجل الأمن على البوابات ها قد استراح بعد إعياء، هكذا المشهد كأنه فاصل إعلاني يمر بين أحداث عمل درامي مطول دامت مدته لنحو قرابة قرن من الزمان، دون أن يتوقف ولو لحظات عدا ساعات الحرب والآن في أيام الوباء.

اقرأ أيضا:

إير كايرو تسير رحلتين من شرم الشيخ لعودة المصريين العالقين في لندن

طائرة مصرية تجلي العالقين في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب كورونا خلال أيام

تاريخ التسعون عامًا من الطيران المدني المصري، الذي جابت فيه طائراتنا الوطنية أجواء العالم دون إنهزام أو استسلام أمام نكبات عدة من حروب وثورات وأزمات، كفيل بأن يشعرنا اليوم أن الأمم الأخرى ليست أسبق منا في ميادين الطيران كما وصف حالنا الاقتصادي الكبير "طلعت حرب" قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، ولكننا بالفعل أصبحنا الآن نُجاري تلك الأمم في استعمال الهواء كما تستعمله هي سواء بسواء دون الشعور بألم أو نقصان، فهذا هو العزاء، أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي أوقفت الطيران، بسبب عدوى هذا الفيروس القاتل "كورونا المستجد"، ولكن ذاك النزيف الدامي من الخسائر في الأرواح والأموال قد طال الكثير من البلدان، إذ راحت كل دولة تغلق الأجواء على نفسها لكبح جماح العدوى المستشرية في أرجاء العالم، غير مُبالية بالخسائر أو العقبات، التي قد تهدد بقاء العديد من قطاعات الطيران.


تلك الظروف الاستثنائية والأزمة التي يمر بها قطاع الطيران المدني المصري والعالمي في الوقت الراهن، وصفها الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا"، بأنها هي الأسوأ في تاريخ الطيران وقد تتسبب في نهاية ناقلات جوية، مقارنة بتداعيات الأزمات السابقة من أحداث 11 سبتمبر أو فترة تفشي مرض السارس أو الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، ووصف حال شركات الطيران بأنها الآن تنازع من أجل البقاء والاستمرار في ظل أزمة السيولة الحادة التي تواجهها، وقدر "اياتا" تلك الخسائر المتوقع أن يتكبدها قطاع الطيران المدني العالمي بنحو 252 مليار دولار جراء التشديدات الكبيرة المفروضة على السفر والطيران.


ويقدر نصيب مصر من تلك الخسائر العالمية في قطاع الطيران المدني، بنحو 2.25 مليار جنيها، وهو ما أعلنته الحكومة المصرية، بأن تلك الخسائر مقدرة للفترة الأولى من التعليق التي تنتهي مع إنقضاء مارس الجاري، ولكن متوقع أن تتضاعف تلك الخسائر خلال الفترة القادمة، في ظل إعلان مصر مد تعليق الطيران إلى أراضها حتى منتصف أبريل المقبل.


جدير بالذكر أن مجلس الوزراء، أعلن تعليق رحلات الطيران إلى المطارات المصرية، منذ يوم الخميس، الموافق 19 مارس الجاري وحتى أواخر مارس الجاري، ثم أعلن فترة مد التعليق حتى يوم 15 أبريل المقبل، ضمن خطة الحكومة المصرية لكبح جماح تفشي فيروس كورونا المستجد المتفشي بين معظم بلدان العالم، فيما استثنت سلطة الطيران المدني المصري، رحلات الطيران الداخلي والشحن الجوي ورحلات الهبوط الفني للتزويد بالوقود والاسعافات الدولية، من قرار وقف الطيران، وسمحت لرحلات الشارتر السياحية الهبوط لنقل الأفواج التي انهت برامجها السياحية في مصر دون استقدام وفود جديدة.