الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في زمن كورونا.. ماء زمزم ليس لما شُرب له!


دائما وعلى مر العصور تمر على الإنسان أزمات، وتصاب البشرية بالخسائر الهائلة، ولكنها في كل مرة تخرج من الأزمة، وقد عقدت العزم على اللحاق بما فاتها في تلك اللحظات العصيبة، وفي كل مرة تغادر فيها الإنسانية كارثة من الكوارث فإنها تكون قد تعلمت منها الكثير، ولا تترك الإنسانية ما يواجهها من مصائب إلا بعد أن تخط تلك المصائب، بقلم مداده من الحديد المنصهر، خطوطا وعلامات على جدار بشرة الإنسانية الرقيق الصلب، يتذكر من خلالها الإنسان تلك الأزمات، وهاتيك الكوارث، وتلكم المصائب، فإذا بها نبراسا للإنسانية، وشعلة مضيئة له في قادم الأيام، وإذا بالحوادث العظام مدرسة يتعلم فيها ومنها العقل الجمعي للإنسانية.


لعل أقرب أزمة واجهت الإنسان هي الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها ما يقترب من مائة مليون ضحية، هذه الأزمة التي قضّت مضاجع المفكرين والفلاسفة بأسئلة عن ماهية الوجود، والهدف منه، والجدوى من حياة الإنسان، فإذا بها تخلف العديد من المدارس الفلسفية والمختلف من الاتجاهات الفكرية التي أثرت الفكر الإنساني بالعديد من الأعمال العظيمة، دارت كلها حول الاهتمام بالإنسان وقضاياه والعمل على عدم الوقوع في مثل هكذا حرب كان الخراب والدمار وأشلاء الضحايا النتيجة الحتمية لها.


في الأزمات الكبرى، كما أن هناك تيارا متخلفا ينزع نزعا إلى تغييب العقل، فإن تيار العقل والوعي يزدهر كذلك في مثل تلك المواقف العصيبة، وتدور رحى الحرب بين الفريقين: فريق ينتصر للعقل والعلم، وآخر يهيم في أودية التخلف ساعيا في نشر الخرافة، وتعطيل آلة الوعي والإدراك بل دفنها في هذا الوادي السحيق من الخرافة والتخلف.


وفي الأزمة التي يمر بها العالم كله، ومن ثم تمر بها مصر، والمنطقة العربية والأمة الإسلامية، تستعر الآن تلك الحرب بين نور العقل والعلم وظلام الخرافة والجهل، فإذا بنا نشاهد صفحات صفراء يوحي منظرها كما توحي اللغة المكتوبة بها أنها قد سطرت في أيام خلت من تاريخنا الإسلامي والعربي، في محاولة لنسبتها إلى تراثنا العربي.


 وهنا تظهر بكل وضوح ملامح جريمة مكتملة الشروط والأركان لنسب ما لا لتراثنا إليه، وأن الهدف من ذلك ليس إلا تغييب وتجهيل العقل العربي والإسلامي بنيِّة معقودة وقصد متحقق.


وهنا كان لابد لأصحاب التيار العقلي والعلمي التصدي لهذه المحاولة التي تضاف للكثير والعديد من المحاولات - التي للأسف نجح الكثير منها - عبر تاريخنا العربي والإسلامي وأصابت العقل في الصميم، كان لابد من الوقوف في وجه هذه الفرية المنسوبة لتراثنا العربي، فما كان من أصحاب مدرسة العقل والوعي إلا أن بحثوا ومحصوا وفحصوا ليقوموا بتفنيد الفرية كما قاموا بمحاربة الخرافة على مر العصور.


ليلة أمس أرسل لي الصديق الشاعر الدكتور فتوح قهوة صورة لشعر منحول عن أزمة فيروس كورونا يستطيع دارس الأدب ببساطة شديدة أن يكتشف زيفه؛ حيث هو من الركاكة بمكان، ومن التصنع بالشيء الكثير، ودار حوار بيني وبين الصديق الشاعر حول ضرورة إحياء العقل المصري الجمعي الذي تم استلابه من قبل مجموعة من الأفاقين، الذين يزيحون عليه تراب الجهل والتخلف، وكان اتفاقنا على أن المعركة الحقيقية التي تواجه المثقف المصري والعربي اليوم هي معركة الوعي، هي تلك الحرب التي يجب أن نقتحمها اقتحاما لا نخشى فيها أحدا، ولا نهاب فيها الموت، الذي هو أقرب إلينا الآن من أي وقت مضى، وماذا تفيد حياة بلا هدف؟ وهل هناك هدف أنبل ويستحق الموت دونه من هدف إعمال العقل للوصول لمرحلة الوعي التي من خلالها تبنى الأمم على أسس متينة؟.


وإن كان هناك نقاط مضيئة في هذه الأزمة الإنسانية العميقة، فإنه - في تصورنا - يأتي دور المؤسسة الدينية الرسمية في مصر؛ التي تماهت مع مدرسة العقل بل ربما، في بعض الأوقات، كانت تسبقها، هذا الذي عكس الفلسفة العميقة لهذه المؤسسة، والتي أكدت أن ما يصدر عنها إنما يكون عن ثوابت إيمانية مرة ودراسة عميقة للحال مرة أخرى، ومن هنا جاءت متماهية، كما ذكرنا آنفا، مع متطلبات العقل الذي كما يقول فيلسوفنا العربي الكبير ابن رشد أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتعارض مع النقل! حتى وإن بدى في بعض المرات كذلك فإن أبا الوليد ابن رشد يحيل هذا التناقض لعدم فهم النص على وجهه الصحيح.


وهنا تظهر قضية لابد من البحث فيها والوصول فيها إلى نتائج حاسمة، وهي أن التعاليم الدينية والآيات القرآنية ليست نظريات علمية، كما ليست علوما بحتة، بل هي أطر عامة تدعو المسلم إلى البحث والعمل وإلى احترام العقل، والدعوة إلى التدبر وإلى العلم الذي هو فقط ما يمكن أن يواجه هذه المصائب التي تحل بالإنسان.


هذا الذي يتضح جليا في تعلق الأعين، أعين العقلاء، في كل بقعة من بقاع العالم، على ما يصدر من العلماء في مجال الطب والصحة، في انتظار ما سيصل إليه هؤلاء العلماء من مصل يفسد عمل هذا الفيروس أو علاج يساعد على الشفاء من المرض اللعين الذي يسببه هذا الفيروس، هذا أيضا الذي يدفعنا إلى التساؤل عن صحة وصدق ما يتم تداوله لدى هؤلاء الذين يريدون بنا العودة إلى قرون خلت بذريعة أن هناك طبا - ينسبونه زورا وبهتانا - للنبي صلى الله عليه وسلم - الذي إن كان طبيبا فهو طبيب قلوب يعلقها بالخالق العظيم.


وإذا كان فيلسوفنا العربي الكبير أبو الوليد ابن رشد، قد أكد، ونحن نثق فيما يؤكد أيما ثقة، بأنه لا يمكن للعقل أن يتعارض مع النقل، ولا يمكن أن يتعارض البحث الدقيق مع النص، فإننا ندعو للتوفيق ما بين بعض النصوص - إن صحت نسبتها للرسول الكريم - مع العقل والبحث: منها ذلك المتداول عن أن ماء زمزم لما شرب له، ويستعرضه الكثير من العوام على أن شرب ماء عين زمزم هو دواء لكل داء يشرب له، والذي ذهب بعضهم لروي القصص المثيرة حوله، فمن مريضة بالسرطان وقد شفيت لأنها نهلت من ماء العين المقدسة، ومن مريض بغير ذاك المرض العضال وقد شفي تماما لأنه تناول ماء هذا النبع بنية الشفاء.


كل هذا الذي يكذبه الواقع تكذيبا صريحا، ولو كان هناك إيمان حقيقي عميق عند هؤلاء الذين يسوقون مثل هذه الأخبار، ما تم إغلاق المسجد النبوي الشريف ولا المسجد الحرام ولا كل المساجد، التي يذكر فيها اسم الله، ولكانت شربة الماء من بئر زمزم، لو كان لما شرب له كما هو المتداول والمتعارف عليه بين العوام، لهي الدواء وفيها الشفاء من فيروس كورونا، ولأن هذا لم يحدث، ولن يحدث لا في فيروس كورونا ولا في أي مرض من الأمراض، لأنه لو أراده الله سبحانه وتعالى، لكان نقمة، قبل أن يكون نعمة، حيث أنه كان سيصبح مصدر حروب بين البشر جميعا للحصول عليه، بل احتلاله من قبل الأقوى في العالم ليتحكم في شفاء هذا، وعدم شفاء ذاك، ليس صحيحا في زمن كورونا أن ماء زمزم لما شرب له، هذا الذي يدفعنا دفعا للاشتباك مع من ينشرون هذا المعنى بين العوام، ويدفعنا دفعا لاستنهاض رجال الدين الثقات لتوضيح مثل هذه الأمور على حقيقتها للعوام المسلمين الذين يجب أن نحمي عقولهم من زغلول النجار وأمثاله! فالأكيد والواضح والمرئي رؤيا العين في زمن كورونا أن ماء زمزم ليس لما شرب له.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط