الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أكثر من عصفور .. بحجر "كورونا"!


الأذكياء فقط هم من يستفيدون من أى أزمة، ويربحون من ورائها أكبر المكاسب والغنائم .. وإذا كانت محنة كورونا قد أحرجت عتاة القادة السياسيين  وزعماء "العالم الحر" داخل أوطانهم ووضعتهم فى مأزق أمام شعوبهم، فكانت اختبارا رائعا لمصر وقيادتها الواعية لتقف عند حدود الخطر وتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ليرتفع الرصيد الشعبى وتزداد جذور النظام رسوخا وثباتا فى أرض المحروسة!.


فى كل يوم نقرأ ونسمع عن آلاف الضحايا - موتى ومصابين - فى معسكر الغرب ضد الفيروس الصغير المُحيِّر، وبالأرقام نقف شهودا على ارتباك الرئيس الأمريكى ترامب قبل معركة الرئاسة المرتقبة فى نوفمبر ٢٠٢٠، ونشاهد خروجا بشق الأنفس لرئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون من غرفة الإنعاش فرارا من "كورونا" اللئيم .. ونتابع عن كثب إجراءات وتكاليف الحرب البيولوجية فى أوروبا بأسرها، وصمود علماء وعقول النمور الآسيوية فى سباق مع الزمن وتحدى المرض للوصول إلى لقاح مضاد ونهائى .. 


وقد ينجح البعض ويخفق الآخر .. وهناك من يتفوق ويقطع أشواطا فى هذا الماراثون العالمى، وثمة من يتعثر وتتعطل مسيرته أمام ضغوط الاقتصاد وفقدان الوظائف والمظلة الصحية السليمة .. ويوجد فريق ثالث تحرك فى اتجاه مغاير ومحبوك!.


والنظام السياسى فى مصر خير مثال للفصيلة الأخيرة من واقع المكتسبات الحاصلة فى الشارع المصرى وداخل قطاعاته ومؤسساته .. فالأزمة أجبرت الغالبية العظمى من الشعب على التزام المنازل واتباع التعليمات بقدر الإمكان واعتمادا على وعى وثقافة كل بيت على حده لاحتواء الموقف، وكان الحظر فرصتنا لإطلاق الهواء النظيف فى الفضاء وخلو الشوارع من عوادم السيارات وتنفس الميادين "أوكسجين " الحرية بعد أن أصابتها الكثافات السكانية بالاختناق، وآن للطبيعة أن تهدأ والمياه تصفو وأسفلت الطريق وأعمدة الإنارة تغرد فى سلام وراحة!.


وفتح الفيروس مجالا لتجديد الثقة فى جهاز الداخلية ورجال الشرطة وجنود "الجيش الأسود" لينفذ بمفرده حظر التجول دون معاونة من القوات المسلحة مثلما حدث فى فترة الثورة والاضطرابات السياسية، وبنجاح المهمة تستعيد العلاقة بين المواطن والأمن قوتها وتسترد متانتها ويستقطب النظام ذراع "الداخلية" ليحقق به التوازن المطلوب مع "ذراع" المؤسسة العسكرية الفولاذية لإحكام السيطرة على منافذ الدولة ومفاتيحها فى معركة الإصلاح والبناء.


وقصدت القيادة السياسية تحمل وزارة الصحة بكل كوادرها ومنشآتها مسئولية حماية الشعب من "تسونامى" الطبيعة الجديد، وبمنطق الجيش وحالة الحرب كانت التعليمات واضحة وصريحة بأن يبرهن "الجيش الأبيض" على بسالته وجدارته بهذا التكليف، فيقبع كل ممرض وكل طبيب داخل مستشفيات العزل لمقاومة انتشار المرض وإسعاف المصابين وكشف الحالات دون إبطاء، فتركوا منازلهم وفارقوا عائلاتهم فى مشهد دراماتيكى تاريخى لن يسقط من الذاكرة أبدا وستظل الأجيال ترويه تباعا .. وانطلاقا من هذا الدور الشجاع تحظى منظومة الصحة فى مصر بمزيد من الدعم داخل موازنة الدولة فى المرحلة المقبلة أملا فى نقلة نوعية وطفرة ننتظرها ويحلم بها الفقراء والبسطاء.


وأتاح الظرف المفاجئ الفرصة للسياسة الخارجية لإحراز أهداف ونقاط غالية فى سجلها المشرف بفتح باب المساعدات الطبية والإمدادات العاجلة لدول كبرى فى مقدمتها الولايات المتحدة، بما يعزز العلاقات الدولية ويخدم المصالح المشتركة مستقبلا، وما تقدمه مصر فى عنفوان المحنة سيترك صداه لتفوز بالمقابل والمكافآت المنشودة من حلفائها وأصدقائها عند اللزوم وضمن استراتيجية الإصلاح الشامل.


ومن أبرز الثمار، كشف منابع الإرهاب وإرغام الفئران على السكون داخل جحورها، وضخ مشروعات الإعمار فى سيناء العظيمة تزامنا مع إحياء ذكرى تحرير أرض الفيروز فى ٢٥ أبريل، ليقود النظام جولة "تغيير وجه سيناء" وتطوير معالمها ومناطقها الحيوية بمزيد من المصانع والمزارع السمكية واستغلال ثرواتها وكنوزها المدفونة فى أرضها الذهبية .. وجاءت محنة كورونا لتتفرغ وتتجه الحكومة نحو هذه البقعة السحرية لتنويرها وتنمية مواردها إلى مساحات خضراء وإنتاج غزير بعد سنوات القحط والجفاف وشيوع الرمال الصفراء لاعتبارات سياسية معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب!.


بالطبع الصورة ليست وردية بالكامل ولاتنعم بالإيجابيات والنماذج المثالية طوال الوقت .. ولكن الأمانة تقتضى رصد براعة وحنكة النظام فى إدارة الأزمة مقارنة بدول وأماكن أخرى .. وما زلنا نتشوق لرؤية هذه النفحات الطيبة فى قطاعات أكثر اتصالا بحياة المواطن العادى، حيث المدارس والجامعات وغرف التحصيل العلمى .. والمدن والمحافظات السياحية لتنشط وتسترجع بريقها وتوهجها وتتخلص من الركود الناجم عن المحنة .. والبطولات والمسابقات الرياضية وتمتع المنشآت والأندية بكل وسائل الوقاية والتعقيم والكفاءة الصحية تحسبا لأى أوضاع طارئة .. وانتظام حركة المرور فى الشوارع وحرص المتاجر والمولات الضخمة على توفير الأمان وأجواء التنزه النقية دون تلوث أو زحام موبوء .. 


وكثير من الملفات لاتزال مفتوحة وأسئلتها إجبارية وتحتاج إلى سرعة الحل ودقة الإجابة، وحتى هذه اللحظة تتفوق القيادة فى المراحل الأصعب والأكثر حرجا واستطاعت من واقع العرض السابق لبداية مشوارها مع "كورونا" فى اجتياز أسوأ المطبات الصناعية .. وبالفعل أفلحت فى اصطياد عدة عصافير فى الأيام الماضية، ولكن أمامها "عصافير ثمينة" أكثر أهمية وإغراءً فى طريق رحلة"ما بعد كورونا"!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط