الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هشام السيد عطية الجنايني: كورونا والفرح بالعيد

صدى البلد

 يَحل علينا عيد الفطر هذا العام وقد ابتلانا الحق سبحانه وتعالى بانتشار وباء كورونا في جميع أنحاء الأرض، فبسببه عُطلت الجُمع والجماعات ومُنع الناس من التقارب والترابط والاجتماع ؛ حفاظا على الأنفس من التهلكة قال تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، وكثير من الناس يسأل: كيف نفرح بالعيد ونشعر بالسرور وقد كثر المصابون بالفيروس اللعين وكل يوم إصابات جديدة ؟؟!!، كيف نفرح بالعيد وقد خيم الحزن على سائر الأقطار بسبب هذا الفيروس الفتاك ؟!، كيف... وكيف... وكيف...؟  والجواب هو: أن الله تعالى – وهو خالقنا والعالم بحالنا في كل وقت –أمرنا بالفرح بنعمه، وفضله، فقال تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا".

والأعياد في الإسلام من أجل نعم الله تعالى علينا ومن أعظم فضائله؛ لذا فرح به النبي صلى الله عليه وسلم، وفرح أصحابه رضوان الله عليهم به وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفرح ، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صحيح"أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَلَّسُ لَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ" [التقليس: هو الضرب بالدف، والغناء ، واللعب]، وها هي أمنا عائشة رضى الله عنها تحكي لنا مشهدا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على إذنه صلى الله عليه وسلم بالفرح والسرور يوم العيد فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا»، وفي حديث أخر يبيح النبي صلى الله عليه وسلم اللعب يوم العيد وفي مسجده الشريف فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ– أي يرقصون- فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ»، بل إن رسول صلى الله عليه وسلم حثّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عدم التعرض لمن يلعب ويفرح يوم العيد فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» .

وعلى ذلك فنحن مأمورون بالفرح وإظهار السرور واللعب يوم العيد ، ومن يتأمل الشريعة  الغراء يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم صيام يومي العيد فقد روى الشيخان في صحيحيهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر"، والعلماء قالوا بأن الحكمة في النهي عن صيام يوم العيد هي: (أن العيد يوم ضيافة الله تعالى لعباده ، والصوم فيه إعراض عن ضيافة الله تعالى) [ينظر هذا المعني في: عمدة القاري (7/ 265)، نيل الأوطار (4/ 310)]، فليعلم كل واحد منا أننا يوم العيد في ضيافة الحق سبحانه وتعالى، فيا أيها الحزين بسبب انتشار كورونا وأفعاله بالبشر، ويا أيها الخائف من هذا الفيروس اللعين، ويا أيها المبتلى بالأمراض والأسقام استيقظوا فأنتم يوم العيد في ضيافة الكريم الذي لا يرد أحدا قصده، وفي ضيافة الخالق العالم بخلقه وضعفهم، وفي ضيافة القادر الذي بيده كل شيء.


فافرحوا عباد الله بعيدكم، وأدخلوا السرور على ذويكم، وارتدوا الجديد من الثياب، وعظموا شعائر ربكم فصلوا العيد في بيوتكم، وصلوا الأرحام بالاتصال إن لم تستطيعوا الصلة  بالزيارة، واجعلوا بيوتكم كلها فرحا وسرورا ، والعبوا مع أولادكم، ووسعوا عليهم في الأكل والشرب، وأدخلوا السرور على الأيتام والأرامل وكل ذي حاجة، وادعوا ربكم في يوم ضيافته لكم – يوم العيد – أن يرفع عنا وعنكم وعن البشرية أجمع هذا الوباء اللعين عاجلا غير آجل؛ فهو أكرم من سئل وأجود من أعطى، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير.