الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حين حلقت الروح بالوادي المقدس طوى


مُهمة عمل في "سانت كاترين" تحولت بقدرة قادر إلى ما يُشبه رحلة الحج.. فالمهامُ المُوكلة إلينا غدت كالمناسك.. نسعى بين نقطة وأخرى، فيتلاشى الشُعور بالتعب أمام جلال وبهاء الحكايات التي تروى من حولنا.. والتي تُفسر لنا بجلاء: من أين تستمدُ هذا البُقعة المُباركة قدسيتها كأرض الله الحرام.


بين توقيت هبوط الطائرة المُقلة لنا فوق المَدرَج الوحيد بمطار سانت كاترين، وإقلاعها ثانية إلى القاهرة 6 ساعات، هي المدة التي قضيتها هناك في رحاب هذا المكان الساحر المتمسك ببكارته، الذي أزوره للمرة الأولى في حياتي، لأكتشف أن من سمع ليس كمن رأى، وأن كل ما قص على مسامعي عن أسرار هذه البقعة المباركة قبل زيارتها تضاءل أمام روعة الحقيقة، فكل موطأ قدم هنا له قصة تُروى، وأنت جزء من التاريخ. 


هنا في "وادي الراحة" ترك النبي موسى أهله قائلًا لهم: "امكثوا إني آنست نارًا" مُتوجهًا سيرًا إلى "جبل التجلي" ضمن سلاسل جبال الطور، في موعد مع حدث لم يتكرر، ففوق هذه القمة تجلى الله عز وجل إلى كليمه موسى وأمره: "اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى"،  في إثبات رباني أن لهذا الموقع قدسيته، ثم أجاب بجلال إلهي على طلب سيدنا موسى أن يراه: "لن تراني"، ليقدم الألواح إلى كليمه موسى بها "موعظة وتفصيلًا لكل شيء".


والطريق صعودأً إلى دير سانت كاترين على الممر الصخري يُشبه رحلة المعراج إلى السماء، فكلما دنوت من هذا الصرح استغرقك السلام النفسي، وشعرت وكان روحك تتخفف من أثقالها وهمومها، وقلبك يحلقُ عاليًا.. باب الدير صغير ضيق، يتطلب من الزائرين الدخول فردأً فردًا، ولكنه يؤدي بك إلى عالم فسيح في الداخل، سلالم صخرية تهبط بك إلى الكنيسة، وأخرى تصعد بك إلى المكتبة، وفي قلب الدير تتعانق الأديان، أبراج كنيسة الدير تحتضن مئئذنة الجامع الفاطمي، وبينهما كنيس يهودي، وكلما تنقلت تتسلل إلى أنفك رائحة ذكية مصدرها شجرة العليقة المقدسة، لتنعش روحك ويتفتح قلبك. 


مدينة سانت كاترين ليست كبيرة، فمساحتها لا تتجاوز 5 آلاف كم مربع، ترتفع عن سطح البحر بنحو 1600 مترًا، إلا أن لها خصوصية فريدة، فالمنطقة تُعتبر محمية طبيعية يتمُ الحفاظ على كافة مكوناتها، لتحتفظ ببريقها وروعتها سواء فيما يخصُ المناظر الطبيعية الخلابة التي يزداد روعتها شتاءً مع هطول الثلوج فوق هذه البقعة، فضلًا عن القُدسية الدينية التي تجعلها مقصدًا هامًا لمُعتنقي الديانات السماوية الثلاث، من الراغبين في العودة بآلة الزمن ليعيشوا قصص التاريخ في عبق هذه المنطقة التي تذكر أتباع كل ديانه بجزء أصيل من الآيات التي تتضمنها الكتب السماوية الثلاث، فكلها تحدثت عن قصة سيدنا موسى، ومناجاة ربه، وألواح الأحكام، وقصص أخرى عديدة.


مدينة سانت كاترين ينقصها الكثير، فمنذ أن تهبط في مطار سانت كاترين ستكتشف أن تغطية الهاتف المحمول غير موجودة تمامًا، ومع انتقالك إلى المدينة تبدأ شبكة "أورانج" في العمل على استحياء، كما أن المطار صغير وبه مدرج واحد لايستوعب طائرات كبيرة كما أنه غير مؤهل للعمل ليلًا، هذا إلى جانب أن الخدمات بالمدينة لاتؤهل لدفع الحركة السياحية، فالفنادق قليلة ومستوى خدمتها متواضع، كما أن منطقة مركز المدينة لاتحظى باهتمام كاف من حيث توافر المطاعم والمحال التجارية أو حتى محال بيع المنتجات البدوية.


زيارتي إلى هناك جعلتني أدرك لماذا وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة خلال افتتاح مشروع الأسمرات 3 بالاهتمام بسانت كاترين، فالمكان زاخر بالمقومات والفرص الهائلة لتكون أحد المقاصد الهامة للسياحة سواء الدينية أو تسلق الجبال أو الاستشفاء، لتحقيق التكامل مع السياحة الشاطئية في جنوب سيناء، ولكن ما يبعث على الأمل هو أن يعقب توجيه الرئيس زيارة هامة لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى  مدبولي إلى سانت كاترين وبرفقته وفد يضم 7 وزراء، بما يماثل "ربع مجلس وزراء"، والذين قاموا ـ ووفقًا للبيانات الصحفية الصادرة عن الحكومة ـ بوضع خطوط عريضة لاحتياجات التنمية في هذه البقعة الساحرة من أرض مصر الغالية، في انتظار برامج عمل محددة بتوقيتات زمنية لتحقيق هذه الغاية الهامة في وقت قياسي.  

   
وصف رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي زيارته إلى سانت كاترين بأنها "فاتحة خير"، وربما أكثر من يتمنى أن تكون الزيارة "فاتحة خير" فعلًا، هم أبناء سانت كاترين، فقد رأيت ذلك في أعينهم، وهم يرون "ربع تشكيل مجلس الوزراء" على أرضهم، فقد استقبلوا ذكر الرئيس لمدينتهم، ثم الزيارة الوزارية الهامة، كما تستقبل الأرض البور نقطة المطر، فما يحتاجونه كثير، وما يستحقونه أكثر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط