الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مخالفات البناء وضحايا التصالح


قبل أيام؛ كانت تصريحات النائب محمد إسماعيل، أمين سر لجنة الإسكان، بمجلس النواب، لموقع "صدى البلد"، وهو نائب نحترم خلقه وأداءه، معبرة عن حجم كارثة المخالفات البنائية وإجراءات المواجهة أو التصالح بشأنها، وكاشفة بالضرورة عن حجم فساد لم يكن مستترا أيضا.


نعم؛ عنوان الفساد وبجاحة المفسدين كانت تبدو فى ارتفاعات مخالفة وبنايات غزت أراضى مصر على اختلاف طبيعتها، ولم يعد مقنعا لأحد أن تقوم نفس الأجهزة والمجالس والأحياء المسؤولة بالصمت أو التواطؤ على ظهورها، بالحضور فى مشهد تسوية أوضاعها أو التصالح عليها.


حينما صدر القانون 119 لسنة 2008 وبه باب كامل عن المخالفات البنائية ومسؤولية الأحياء عنها، ومسؤولية شاغليها وملاكها عن صيانتها، وتغريم أصحابها وإزالتها، كان القانون ملزما لرؤساء الأحياء بالإعلان عنها وتحديد أماكنها ونشرها فى لوحة تتصدر ديوان الحى، لتكون متاحة لكل مواطن راغب فى التعامل على عقار أو وحدة سكنية بطرق شتى، وهذا مربط الفرس الذي نرى فيه محاولة تبرير الخطأ بخطأ أكبر، وهو تغريم المواطن صاحب الوحدة السكنية وإجباره على التصالح عن مخالفة جزء من مبنى غير مملوك له بالأساس.


قانون التصالح في بعض مخالفات البناء، رقم 17 لسنة 2019 والقانون رقم 1 لسنة 2020، مدهشان لى حقا، بعد فشل المحليات ورهان الإدارة على البحث عن "أي مستفيد" من مصلحة غير محددة فى استغلال المبنى المخالف أو شقة به، فأي استفادة مزعومة تلك التى سعى مواطن محروم من الحصول على معلومات تستحوذ عليها إدارات الأحياء عند تعاقده على شقة بعقار مخالف؟.


ثم أى منفعة تلك التى جلبها بسطاء عرفوا طريق الشقاء لجمع عدة آلاف من الجنيهات أو عشرات الآلاف للسكن بالإيجار أو التملك بالتقسيط فى عقارات مخالفة ظهرت فى عصور حرمان من السكن الآدمى للفئات المضارة اقتصاديا، مقابل اهتمام الحكومات السابقة والبنوك معها بتمويل ودعم مشروعات الإسكان الفاخر للمقتدرين وتسوية أوضاع مخالفاتها أيضا، ومنتجعات الطرق الصحراوية شاهدة على ذلك؟.


حديث أمين سر لجنة الإسكان بالبرلمان؛ حول ظاهرة "الكاحول"، وهو المالك الظاهري الدفتري لمشروعات حيتان المخالفات البنائية والاستيلاء على الأراضي أيضا، لا يعكس لدى تصورا فى غير اتجاه انعدام الرقابة على حركة جزء من الأموال والأملاك والتقصى عن مصادرها، ومن ثم فقدان السيطرة على متابعة جزء أصيل من أذرع الاقتصاد وهو القطاع العقاري، بخلاف فقدان آلية محاسبة ضريبية لملاك حقيقيين مستترين لتلك المشروعات.


تعبيرات النائب المحترم "المبسطة" حول وقتية قانون التصالح وأمنياته بأن تتم "معاقبة العاملين بالإدارات المحلية، نظرًا لتسببهم في تفاقم أزمة مخالفات البناء على مدار أكثر من 40 عامًا"، لا تعكس لدينا إلا تجاهل نواب البرلمانات السابقة لدورهم الرقابي، وهو دور لا ينفصل عن التشريعي بالمرة، فلم يمنع القضاء نائبا من تقديم بلاغات بشأن ملف مخالفات البناء بدائرته، حال أجهضت محاولاته لاستجواب أو سؤال الوزير المختص تحت قبة البرلمان .


قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019 والمعدل برقم 1 لسنة 2020  وضع مجموعة من الحالات التي لا يجوز فيها التصالح، بحسب تصريحات النائب المحترم، ولفت نظري بينها "تغيير الاستخدام للمناطق التي صدر لها مخططات تفصيلية معتمدة من الجهة الإدارية، والبناء خــارج الأحوزة العمرانية المعتمدة عدا المشروعات الحكومية والخدمية وذات النفع العام".


ونسأل هنا حضرة النائب كممثل للسلطة التشريعية: ألا تقع الأراضى المخصصة للاستصلاح الزراعي مقابل جنيهات قليلة للفدان، على طريقي الإسكندرية والإسماعيلية مثلا، وبنيت عليها الفيلات والمنتجعات بالمخالفة لقرارات تخصيص وتحديد نشاطها، ضمن مناطق الأبنية التى لا يجوز في مخالفاتها التصالح؟.


وماذا لو تمت تسويات بشأنها مع ملاكها "المستثمرين" بإجراءات قضائية تخص استخدام الأرض، هل يخضع  المشترون "السكان" مجددا لغرامات قانون التصالح الجديد؟.


أقف بين تائهين حائرين بشأن قواعد ومعايير تحديد قيمة الغرامات عن المخالفات البنائية ومناظرتها بحسب موقعها وسعرها السوقى، والبعض يري فى دعوته للذهاب إلى الإدارات المحلية لطلب التصالح نوعا من "جر الأقدام" نحو سداد مالا يعرفون سقفه، وهناك حالة من الارتباك والتوتر فى علاقات ملاك للمبانى المخالفة ومشترين ربما تنتج عن عدم وضوح الرؤية للجميع بشأن آلية تطبيق القانون.


الرئيس السيسي حينما يتحدث فى تسوية مشكلة مزمنة، لا يمكن القبول بعد حديثه بتعميق أكبر للمشكلات وإطالة ذيولها، وهو دور نواب البرلمان المطالبين بتفعيل الرقابة على أجهزة السلطة التنفيذية بحسب الدستور، وليس الاكتفاء بإصدار التشريعات وإلا اعتبرت إنجازا منقوصا يخلق أزمة جديدة لن يعالجها تشريع جديد، ويستفيد منها مفسدون مجددا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط