الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لعبة صفرية.. هل تنتهي العربدة التركية في شرق المتوسط بصدام مع فرنسا؟ ماكرون يتولى التصدي لطموح أردوغان التوسعي.. والاتحاد الأوروبي يتبنى موقف باريس

إيمانويل ماكرون ورجب
إيمانويل ماكرون ورجب طيب أردوغان

ماكرون أمر بتعزيز القوات البحرية والجوية الفرنسية في شرق المتوسط
الوجود في المتوسط عنصر مهم من استراتيجية الدفاع والأمن القومي الفرنسية
أردوغان يتبنى مشروع الوطن الأزرق للتوسع في بحور المتوسط والأسود وإيجه
الاتحاد الأوروبي يهدد تركيا بعقوبات إذا لم توقف تحركاتها في المتوسط

يبدو من الواضح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر تصعيد المواجهة مع تركيا في شرق البحر المتوسط ، حيث تدعم فرنسا اليونان وقبرص في نزاعهما مع أنقرة بشأن احتياطيات الغاز الطبيعي والحدود البحرية.


وبحسب موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" الأمريكي، أمر ماكرون بتعزيز القوات البحرية والجوية الفرنسية في شرق المتوسط في منتصف أغسطس الماضي، ردًا على تعدي سفن تنقيب تركية على المياه القبرصية، ثم أعلن أنه يتبع "سياسة خط أحمر" في البحر المتوسط كي يكون واضحًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن التحركات الفرنسية ليست من قبيل التهديد الأجوف. 

وبالرغم من أن التعزيزات التي أمر بها ماكرون لم تكن كبيرة الحجم، حيث اقتصرت على مقاتلتين إضافيتين من طراز رافال وفرقاطة إضافية، فإن الغرض منها كان سياسيًا بالأساس، وهو توصيل رسالة لتركيا مفادها أن فرنسا مستعدة للمضي إلى صدام عسكري مباشر إذا لزم الأمر لوقف التحركات التركية المنفلتة في شرق المتوسط.

وكان صدامًا مباشرًا على وشك الحدوث بالفعل في يونيو الماضي، عندما حاولت سفينة فرنسية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي تفتيش سفينة ترفع علم تنزانيا في إطار مهمة لفرض حظر الأسلحة الأممي على ليبيا، إلا أن سفنًا حربية تركية ترافق السفينة المذكورة تصدت للمهمة البحرية الفرنسية ومنعت إتمامها.

وأضاف الموقع أن أردوغان ينظر بكثير من التوجس والارتياب إلى فرنسا، فوفقًا للرواية القومية العثمانية الجديدة التي يروج لها تصبح دول الغرب شركاء غير جديرين بالثقة يسعون إلى منع عودة تركيا المشروعة كقوة إقليمية.

ومكمن الخطورة أن كل من فرنسا وتركيا تعتبران الوضع في شرق المتوسط "لعبة صفرية" لا بد من خروج أحد أطرافها بهزيمة كاملة كي ينتصر الآخر، ومع أن البلدين ظلا حليفين تحت مظلة الناتو لعشرات السنين، فليس هناك الكثير من المصالح التي تجمعهما معًا، وفي بعض القضايا يبدوان خصمين أكثر منهما حليفان.

ولا يزال حوض شرق البحر الأبيض المتوسط يحتل مكانة بارزة في التفكير الجيوسياسي الفرنسي. وبعد قمة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أواخر أغسطس، أعاد ماكرون التأكيد على أن فرنسا ستعتبر دائمًا "قوة متوسطية"، ولا تزال الأخيرة تتمتع بنفوذ ثقافي واقتصادي كبير في المناطق الساحلية لشمال أفريقيا والمشرق العربي.

وتنظر فرنسا أيضًا إلى وجودها العسكري طويل المدى في البحر الأبيض المتوسط كعنصر مهم في استراتيجية الدفاع والأمن القومي، وأجرت البحرية الفرنسية مجموعة متنوعة من التدريبات المشتركة مع البحرية اليونانية والقبرصية، بالإضافة إلى شركاء إقليميين آخرين، خلال العامين الماضيين.

وفي مايو 2019، وقعت باريس ونيقوسيا اتفاقية تسمح باستضافة سفن البحرية الفرنسية في قاعدة ماري البحرية القبرصية. ودخلت اتفاقية تعاون دفاعي جديدة وقعتها فرنسا وقبرص في عام 2017 حيز التنفيذ الشهر الماضي.

وأوضح الموقع أن أردوغان تبنى عقيدة بحرية أكثر صرامة وقومية تُعرف باسم "الوطن الأزرق"، والتي تهدف إلى حماية مصالح أنقرة البحرية في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود، ومثار القلق في باريس وأثينا وعواصم أوروبية أخرى هو أن تركيا تهدف إلى الاستفادة من قوتها البحرية لفرض نظام جديد في شرق البحر المتوسط، وتحويله إلى ما يسميه بعض المسئولين "بحيرة تركية".

ولا يجوز إغفال العامل الاقتصادي في المنافسة الفرنسية التركية في شرق المتوسط، ففي وقت سابق من هذا العام طلبت فرنسا الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم في عضويته مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل واليونان وقبرص (ولا يضم تركيا) والذي يهدف إلى تطوير سوق الغاز في المنطقة لتلبية احتياجات الطاقة للدول الأعضاء وتصدير الغاز بأسعار تنافسية إلى الاتحاد الأوروبي.

وأخيرًا وليس آخرًا، يجب تذكّر أن ماكرون قد راهن في مسعاه لرئاسة فرنسا جزئيًا على وعده بتعزيز الاتحاد الأوروبي وتعزيز "استقلاليته الاستراتيجية". ومن هذا المنظور، فإن الوجود التركي غير المنضبط على الأطراف المباشرة للاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقنع العالم، والعديد من المتشككين في أوروبا بأنه لا يمكن الاعتماد على الاتحاد الأوروبي باعتباره جهة فاعلة جيوسياسية شرعية.
 
وتابع الموقع أن هناك مؤشرات على أن حملة ماكرون للرد على عدوانية تركيا في شرق البحر المتوسط بدأت تؤتي ثمارها في بروكسل، ففي 28 أغسطس حذر جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أنقرة من أنها قد تواجه عقوبات اقتصادية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في نزع فتيل التوتر في شرق المتوسط قبل قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في 24 سبتمبر.

وختم الموقع بالقول إن أعضاء الاتحاد الأوروبي يتجهون تدريجيًا إلى تبني وجهة نظر ماكرون القائلة بأن الدبلوماسية بدون خيار قوة موثوق به هي مضيعة للوقت.