الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاغتصاب المطمئن لممتلكات الغير



  يضع قانون العقوبات المصري تقديرا غير مقبول لدى كثيرين، لعقوبة الاعتداء على ممتلكات الغير واغتصابها والتمكن منها مع إبقاء الحال على ما هو عليه لحين الفصل قضائيا فى وقائع الجريمة.

وتحمل المادتان 369 و 370 منه إشارات إلى عقوبة اغتصاب الممتلكات ومنها المساكن والعقارات، وتتفاوت بين الحبس لأقل من سنة أو سنتين، أو الغرامة بقيمة ثلاثمائة جنيه، مع تفاوت ظروف حالة الاغتصاب للمسكن بين فردية الفعل وتوقيته واستخدام السلاح وتعدد الأشخاص، كما جعل القاضي مقيدا باختيار عقوبة واحدة، الحبس أو الغرامة، فى أغلب الحالات، وهو أمر سهل كثيرا انتشار جرائم اغتصاب الممتلكات، مع قصور تشريعي واضح فى مسألة تعويض المالك عن فترة تضرره من الجريمة.

وتنبه المشرع بعد زمن للكارثة فاستحدث بموجب القانون رقم 23 لسنة 1992 تنظيما جديدا لمنازعات الحيازة الوقتية مجاله قانون المرافعات المدنية والتجارية، فألغى المادة 373 مكررا من قانون العقوبات وأضاف مادة جديدة إلى قانون المرافعات هى المادة 44 مكررا، بحسب الدكتور عماد الفقى أستاذ القانون الجنائي فى بحثه المهم فى هذا الخصوص "الحماية الجنائية للحيازة" الصادر عام 2011.

"وبمقتضى المادة 44 مكررا من قانون المرافعات أوجب المشرع على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة سواء كانت مدنية بحتة أو انطوى الاعتداء على الحيازة على جريمة، أن تصدر فيها قرارا وقتيا مسببا واجب التنفيذ فور صدوره، ويكون التظلم منه أمام قاضي الأمور المستعجلة"، بحسب دراسة "الفقى" الذى يوصى فيها بعقوبات أشد ضد مرتكبى جرائم اغتصاب الممتلكات والمساكن أو الاعتداء عليها.

حقيقة فإن عقوبات جرائم اغتصاب الممتلكات والاعتداء على الحيازة تبدو هينة تماما، إذا ما قورنت بأفعال أخرى يوجه فيها المشرع بمحاكمة مرتكبيها أمام محاكم الجنايات، فيحصلون على أحكام بالسجن مع تشديدها فى ظروف متفاوتة، حتى إنك تتعجب من أن اغتصاب مسكنك بما فيه من قبل بلطجي يمكث داخله لسنوات جريمة عقوبتها الحبس أو الغرامة، بينما نفس اللص سيسجن لفترة تصل لسبع سنوات أو أكثر إذا سرق هاتفك المحمول بالقوة أو تحت تهديد السلاح فى الشارع، ولو سرق بعض الأسلاك العمومية لتعرض للسجن المشدد والغرامة التى تصل لمليون جنيه.

أراجع النصوص القانونية هذه بينما تخترق أذني صرخات الشقيقات الثلاث الشابات، أشرقت وإنجى وإسراء، ومعهن شقيقهن حديث التخرج فى كلية الحقوق محمد أشرف البدوى، ووالدهم هو أحد المدراء العموم بالجهاز المركزى للمحاسبات بالإسكندرية، ربما استطعت نقلها عبر سطوري إلى وزير الداخلية والنائب العام، ورئيس مجلس النواب المطالب بإعادة النظر فى عقوبات جرائم الاعتداء على ممتلكات الغير.

تقول الفتيات، إن والدهن اشترى لهن وشقيقهن 4 وحدات سكنية بأحد العقارات بمنطقة الرمل بكورنيش الإسكندرية، ووضع كل ما يملك فيها تأمينا لمستقبلهن وضمانا لأية مشروعات إجتماعية مقبلة، وهن وشقيقهن فى سن الزواج.

وفى يوليو 2018 قام عدد من الأشخاص بإيعاز وحماية شخصين مالكين للعقار، باغتصاب ممتلكاتهن وشقيقهن رغم حيازتهن التامة والمستقرة لها وتسجيل عقود ملكية الوحدات السكنية الأربع فور شرائها.

وتم تحرير محاضر لدى الشرطة بذلك، لكن شهورا مرت دون جدوى، ابتعد محام العائلة عنها خلالها لأسباب غير مفهومة، وبعد رفع دعاوى طرد للغصب، تطول مدة التقاضي فيها لسنوات، خاصة مع التأجيلات البعيدة لظروف وبائية وأسباب إدارية، بينما ينعم المغتصبون بممتلكات الضحايا.

فى هذه الواقعة، وعلى صحة تفاصيلها الواردة بإستغاثة مدير يعمل لدى جهاز يتبع أعلى مؤسسة بالدولة، لم يخش اللصوص عقوبة ولم تطمئن قلوبهم لغير حقيقة أن القانون قاصر فى حماية حقوق ضحاياهم فى هذه الجرائم، وأن مدة إغتصابهم لممتلكات الغير ربما تفوق عمره شخصيا فيموت قهرا ولا يفصل القضاء فى حقه أو يرده إليه.

على هذا؛ يمكن أن تقرأ إجراءات دولة رئيس الوزراء بخصوص عملية حصر العقارات المخالفة، والتى تستهدف مع عقاب مشيديها عملية "تسجيل وتوثيق" ممتلكات الأشخاص، وهنا يمكن أن نسأل أجهزة المحليات عن آلية تنفيذ مصالحات عقارات مخالفة ومنهوبة من أصحابها الحقيقيين، بينما طلبات التصالح مفتوحة أمام من يحضر ليسدد غرامات ثم يستكمل أوراقا مطلوبة لاحقا.

شيء من الخيال أن تجد عائلة محترمة تجوب أقسام الشرطة وإدارات الأحياء والنيابات والمحاكم طلبا لحقها فى ممتلكات ومساكن مغتصبة، بينما تملك النيابة العامة سلطة إصدار أمر بتمكينها بالقوة من ممتلكاتها، فيما تتوه الحقوق بين ملفات الدعاوى القضائية المطولة داخل المحاكم، لتبدأ بعد سنوات أزمة تنفيذ الأحكام الصادرة ذاتها لصالح أصحاب الحقوق.

أي استقرار هذا الذي يضمن به المشرع حماية حقيقية للمواطن فى ممتلكاته وأهمها مسكنه، بينما العقوبات لا يخشى معها الفاعلون ردعا ولا يهاب المجرمون عقوبة ولا يغيب عن ضحاياهم قهرا ملازما لهم فى يقظتهم ونومهم؟

ثم إن عقودا قانونية مسجلة قاطعة؛ ألا يراها المشرع كافية لإثبات حق المواطن فى ملكيته وحيازته؛ فيكفيه الإشارة بقيام الأجهزة التنفيذية والشرطية باستعادتها له فورا، بينما يكلف القانون نفس القائمين على هذه الجهات وحماية الأمن بملاحقة مخالفين أو استرداد مسروقات أقل قيمة من المسكن بشكل عاجل؟ 

إن المشرع منح صاحب الدار المنهوبة حق الدفاع الشرعي عن النفس فى هذه الحالة حقيقة، لكنه لم يضع عقوبة رادعة بحق المعتدين أنفسهم، وهى مسألة تحتاج منه إلى إعادة النظر في هذا التشريع، قبل أن يسود قانون الغاب وتحكم القوة إجراءات الأفراد فى إسترداد الحقوق المسلوبة.

ولأن استضعاف الإناث مسألة ظاهرة فى جرائم الإعتداء على الممتلكات والمساكن والحيازات، فليس أقل من اهتمام النائب العام باستدعائهن وسماع أقوالهن ووالدهن، ربما لا تحب كيانات نسوية أن يعلو صوتهن كضحايا بشدة فى غير جرائم التحرش التى تتحرك فيها ناشطات ومنظمات فورا للإبلاغ عنها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط