الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فيروز شوقي تكتب: سلسلة نفرتاري في بلاد الساموراي (3) ساعة الصباح

صدى البلد

عادة أصحو الساعة السادسة صباحا، أقوم بإعداد الفطار وتجهيز ابني للحضانة، وأستعد للخروج في الساعة الثامنة، ألقي القمامة في شبكاتها، ثم أسير في طريقي للحضانة. 

باليابان كل شيء مهيأ للعمل ومن أجل التيسير على الأم العاملة توجد دراجة مخصصة للأمهات تستطيع الأم اصطحاب صغارها خلفها أو أمامها  في مقاعد مخصصة للأطفال.
 
أودع ابني بالحضانة، وفي كل مرة أشعر بأن قلبي يؤلمني لتركه، لكني أحاول جاهدة ألا أجعل هذا الشعور يتملكني  قدر المستطاع  فأضع سماعتي بأذني  وأستمع إلى بعض الفيديوهات التحفيزية لعلها تشعل حماسي الصباحي من جديد وأستدير بدراجتي وأتجه إلى جامعتي، الطريق طويل تقريبا  أربعين دقيقة لكنه ممتع أقضيه مستمتعة بمروري على أشياء أحببتها ورغم اعتيادي عليها لكن في كل مرة أتأملها كما لو كانت أول مرة!.

على يميني محل إعداد حبوب القهوة اليابانية ورائحتها التي تخترق رئتي بدون استئذان، وعلى بعد أمتار قليلة توجد بنزينة ، ولا اعلم كيف لا تفوح  رائحة  البنزين من  هذه البنزينة تحديدا.


ثم أرى على الجانب المقابل سورًا لعمارة لا تتعدى عشرة طوابق وبداخل السور زهور جميلة، وأجمل ما يميز هذه الزهور اليابانية أنها تتغير مع الفصول وأيضا تخترق فتحات السور لتعبر عن ذاتها، أشعر بأنها تناديني  كي ألتقط لها بعض الصور ولهذا لا أتردد وأقوم بتغيير اتجاهي فورًا لها وعبور الإشارة.
الإشارات اليابانية ليست فقط مجرد ألوان تتغير بين الأحمر والأخضر ولكن أيضا هناك صوت يميز اللون الأخضر، هذا الصوت ينبه فاقدي البصر بأن الآن قد تسطيع المرور، وليس هذا فقط بل حتى بالأسفل على الرصيف توجد  مساحة في منتصف الرصيف يتخللها بعض العلامات البارزة قليلا عن الرصيف، كي ينتبه لها المارة فاقدو البصر أن لمستها عصاهم هكذا كل شيء بالطريق ميسر لخدمة الشعب مهما كانت حالتهم، للجميع تقدير واحترام.

بعض الأوقات يفاجئني عمال يقومون إما بعمل إصلاحات بالطريق أو بتاسيس مبنى، أتعجب من نظامهم في تحديد مكان العمل، حتى لا يتعطل المارة أو السيارات، يقومون بوضع علامات كي يمر من خلالها المارة، ويقوم أحد موظفي المرور بتنظيم المرور في  هذه البقعة بالتحديد، إنها الدقة الياباني! 

ثم أغدو بطريقي وأستمتع برؤية الزهور اليابانية على جانبي الطريق، لا أعلم كيف تمر الدقائق سريعا، ربما هذه أجمل دقائق يومي خاصة إن كان الجو مشمسًا. 

أرى من بعيد شاحنة القمامة قادمة يهبط منها عاملان مسرعان والسائق مازال يقود الشاحنه ببطء خلفهما، أتعجب لمهارة العاملين في جمع القمامة من شبكة القمامة الأولى بالطريق في سرعة شديدة، كما لو كانا يعلمان عدد الأكياس بالفعل، ويضعونها  بالخلف في الشاحنة، ثم يسرعون جريا للشبكة الأخرى حتى ينتهيا من جمع القمامة بالطريق، أشعر مع هذه السرعة كما لو أن القمامة يتم جمعها من اليابان كلها في نصف ساعة!.

أستمر في طريقي المستقيم إلى الجامعة ثم أنحرف يمينا بدراجتي حيث تتواجد مكتبات خاصة لبيع الكتب المستخدمة سواء كانت كتبًا دراسية أو قصص مانغا، أو مجلات  بسعر مناسب، لكن أغلبها إن لم يكن جميعها باللغة اليابانية.

وبجوار المكتبات توجد مقاهٍ مخصصة للطلبة، لربما بها بعض الوجبات والمشروبات وبعض الكتب أيضا لكنها تتميز بالهدوء، كما لو أن كل شيء خصص من لأجل راحة الطالب.

ثم بنهاية الطريق أجد سوبر ماركت المفضل لدي والذي يسمى فاملي مارت Family mart حيت يقدم أوبنتو (وجبات جاهزة وسريعة بداخل علب طعام) أحب السوشي الذي يقدمه، وتوجد به ماكينات تقدم القهوة اليابانية أفضل دومًا شراءها منه لمذاقها الجميل. 

أقوم بالاستمتاع بدقائقي الأخيرة مع قهوتي بداخل السوبر ماركت حيث توجد مقاعد بالداخل، وبالخارج بعض الرجال أو النساء يقفون في صف من أجل تدخين السجائر، نعم لا يستطيع أحد التدخين بأي مكان باليابان بل توجد أماكن مخصصة فقط باليابان، البعض أماكن مخصصة للتدخين مغلقة داخل المقاهي أو المولات، وإن كان بالشارع فالحل الوحيد هو الوقوف في صف خلف سوبر ماركت يسمع بالتدخين خارجه مثل فاملي مارت. 
لأشعر دوما برؤيتي للمدخنين خلف السوبر ماركت يقفون بالصف  كما لو أنهم المعذبون بالأرض، نعم التدخين ليست عادة للافتخار بها أمام الجميع، إنها عادة سيئة وعادة أستطيع تمييز المدخنين بسهولة باليابان، لطالما دوما مظهرهم غير صحي إما نحافة شديدة أو سمنة مفرطة وعادة يظهر على بشرتهم وشعرهم، على عكس أغلب اليابانيين يتميزون بجسد صحي مثالي.


بخارج ذلك السوبر ماركت أيضا يوجد هاتف للمارة بإمكانك وضع العملة المعدنية واستخدام الهاتف أينما تشاء، يذكرني بهواتفنا قديما حينما كنا نستخدمه لإجراء مكالمة النقود المعدنية أو كارت ميناتل. 


بعد أن انتهيت من قهوتي أذهب سريعا إلى جامعتي وعلى مدخل الجامعة ألتقط بعض الصور للأشجار والزهور  والتي طالما تبهرني بجمالها اللافت والمتغير بتغير الفصول الأربعة، هي باختصار لوحة فنية طبيعية تعطيني بهجة صباحية ولكني لا أكتفي بتلك البهجة، عودت نفسي يوميا علي احتضان شجرة كي أصل إلى قمة بهجتي، ثم أترك دراجتي في المكان المخصص لها وأبدأ يومي الدراسي وأستعد لتجربتي بالمختبر، هكذا يمر يومي إذا لم تفاجئني مواقف صباحية تعطل سير الأحداث وما أكثرها من مواقف بعضها سبب لي ألما وبعضها رسم على وجهي ابتسامة!.