الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجل الدولة الحقيقي


لا تحتاج أجهزة أي دولة إلى تجنيد ما يمكن أن تسميه "مخبرا" لها داخل معارضتها أو مؤسساتها "الوطنية"، حتى يعتقد بعضهم أنه فوق القانون لمجرد توافر علاقات له داخل دوائر بعينها فى مرحلة ما من حياته "القصيرة" بالضرورة.


الفارق بين "رجل الدولة" وما أقصده من تلك العينات التى تتسم بالانتهازية فى كل عصر، خاصة خلال المراحل الانتقالية للشعوب والأمم، أن رجل الدولة هو ابن مؤسساتها ومن صناعتها، تتسم شخصيته بالقدرة على إدارة الدور المنوط به فى حدود ما يرسمه القانون له، ولو كان هذا القانون نفسه من صناعة مجموعة أصحاب القرار داخل منظومة الحكم، وما ترتبط بها من دوائر المال والأعمال والكيانات ذات الصلة بطبيعة النظام الاقتصادى والسياسي.


هذا النموذج تجده قادرا على إدارة الحوار مع كافة الأطراف وصناعة رأي عام داخل مؤسسات قد يختلف نسبيا مع رؤية قياداتها، هكذا تفعل أنظمة بمعارضتها حين تمارس السياسة الحقيقية، فتضع الأحزاب والمؤسسات المناوئة لها فى ثبات وتعمل على ترويض قادتها، وبهذا تضمن استمرارها وبقاءها فى السلطة لفترة أطول، يتأكد معها للرأي العام أن المعارضة باتت جزءا من هذا النظام فى حد ذاته.


على هذا الأساس يمكن أن تقرأ أداء ومصير أنظمة مارست السياسة معتمدة على رجالات مؤسساتها، دون حاجة إلى "متطوعين" من داخل معارضتها ليكونوا عينا وعونا لها فى قراءة المشهد الداخلي للكيانات المعارضة، ولا تجد عند انتهاء مرحلة حكمها أزمة فى اعتراف متأخر بالممارسات الخاطئة أو اعتراض من رجالها على محاكمات تجرى لهم عن فترات زمنية تولوا فيها إدارة السلطة والثروة، وتجدهم يخرجون مرفوعي الرأس أيضا منها.


مهما اختلفت مع هذا النموذج إلا أنك تحترم طريقة تعبيره عن ذاته، إذا ما قارنته بنموذج "الهلفوت" الذي تصور له نفسه أنه "فوق القانون" وأعلى من "دولة القانون"، بعد رحلة قصيرة قضاها متطوعا فى خدمة سادة هنا أو قادة هناك، أو استثمر فترة انتقالية فيها من المعاناة للشعوب ما يخيل لنفسه والغير كذبا أنه من "حمل كفنه" على يديه فى فترات اضطرابات ومؤامرات.


تلك العينة تتوارى سريعا بأفعالها وخيالاتها ولا يبكى عليها أحد، فما يميز فترة صعودها هو علاج الشعور الداخلي بالنقص واقتناص الملذات وتأكيد طغيان الشهوة على رجاحة العقل أمام الحكمة الإلهية من النعم.


النموذج الأسوأ بين هذه العينات تجده يعتقد امتلاكه أسرار الكون ووضع قوانين اللعبة داخله، وفى أوساط نموه وترعرعه تجد سيرته مقترنة دوما بسوابق اجتماعية وسياسية يستحيل التخلص منها، ولو كتب رفاقه فيها حوليات ومجلدات ما جفت أقلامهم أمام إبداعاته فى صناعة الكذب والتدليس على عقول الناس.


أي مقام لشخصية سياسية أو مجتمعية يمكن أن يتعاظم بصدق النوايا وتطابق الأفعال معها، فتنتج ما ينفع الناس ويمكث في الأرض حقا، هذه الشخصية تجد عنها مقالا على ألسنة البعيدين عنها أولا يعترف بقيمتها وشأنها ويؤكد على حقيقة حضورها، ولو تآمر عليها الكون كله.


وأي موجة عاتية تمر بسلام مع من صدقوا ما عاهدوا أوطانهم عليه ولم يخشوا فى الحق لومة لائم، ولم يقدموا مكاسبهم على حساب أهلهم، هؤلاء تجد الناس أقرب إليهم فى كل حين مهما تبدلت الظروف، يستدعونهم إلي المسؤولية فيجيبون، ولو انحرفوا برغباتهم لحظة لوجدوا منهم تقويما وتهذيبا، وربما لفظا، فالشعوب لا يمكن خداعها مهما طال الزمن، وغير مؤمن بإرادتها جاهل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط