الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بايدن ولا ترامب.. هوامش على حلبة الانتخابات الأمريكية


لم يسجل التاريخ الأمريكى طوال 120 سنة انتخابات رئاسية أمريكية بمثل هذه الحدة الدائرة حتى اللحظة، ومنذ أربعة أيام ماضية للفوز بالرئاسة الأمريكية.

التقديرات المبدئية تؤكد أن عدد المشاركين تخطى حاجز ال160 مليون أمريكي. وحتى كتابة هذه السطور، فقد استطاع جو بايدن قلب الطاولة على ترامب في ثلاث ولايات حاسمة ينتظر الأمريكيون ومعهم العالم إعلان النتيجة النهائية على أحر من الجمر، بعدما قلب بايدن الطاولة على ترامب في ولاية جورجيا وهزم فارقا قدره 104 آلاف صوت، وأصبح متقدما على ترامب ب1096 صورتا وعزز تقدمه في ولاية نيفادا ب11.438 صوت وفي أريزونا بـ47.252 صوتا. وبقراءة بسيطة لكن غير رسمية، فسيتأكد فوز بايدن بالرئاسة مع حسم أيا من هذه الولايات الثلاث لصالحه خلال الساعات القادمة لأنه يحتاج 6 أصوات فقط لكي يحقق النصاب البالغ 270 صوتا في المجمع الانتخابي.

لكن القضية في "حلبة" الانتخابات الأمريكية التي يلهث العالم وراء نتائجها منذ أربعة أيام وحتى اللحظة ليست فقط في فوز بايدن وهزيمة ترامب ولكن في مؤشرات سياسية عدة ظهرت خلال الانتخابات:

في مقدمتها أن هذه الانتخابات، تشهد انقساما أمريكيا مروعا بين فريقين كلاهما على نقيض الآخر. ففى حين صوت حتى اللحظة نحو 73 مليون أمريكي لبايدن، صوت نحو 69.5 مليون أمريكي لترامب، وهذه نسبة مهولة تكشف انقساما داخليا أمريكيا مروعا. ولعل بايدن في خطابه أول أمس قال كلمة مهمة يمكن التوقف امامها، وهى "أنني إن فزت كديمقراطي فسأحكم كأمريكي وسأكون مع الذين قالوا نعم لبايدن وقالوا لا أيضا" وهى جملة مهمة ومسؤولية جسيمة إن وصل البيت الأبيض.

الانقسام الأمريكي، يعني ببساطة أن نصف الشعب الأمريكي ضد النصف الآخر تماما، في رؤية الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري لطريقة تناول القضايا الداخلية والسياسة الخارجية الأمريكية.

علاوة على ذلك، فإن حالة من الشك تفجرت تجاه الانتخابات الأمريكية بعدما قال ترامب، إن هناك مخالفات مروعة وأن التصويت بالبريد خلق فسادا. صحيح أن المحكمة العليا في كل من جورجيا وميشيغان أبطلت دعوتين قضائيتين رفعتهما حملة ترامب لوقف الفرز بالولايتين، ومراجعة ما تم وتأكيدها وجود مخالفات. لكن حالة من الشك خلقت تجاه الانتخابات الأمريكية وهى أول مرة تحدث في التاريخ الأمريكي.

لكن بعيدا عن "قضايا انتخابية" ستحسمها حتما المحكمة العليا الأمريكية لو وصلت لها، فإن "حلبة" الانتخابات الأمريكية أظهرت أن ترامب كان شديد المراس، وأنه لم يكن بالصورة التى قدمتها استطلاعات الرأي المختلفة، وتخيل الجميع أنه سيهزم بالضربة القاضية مع بدء الفرز وبالخصوص في ولايات ضخمة كانت محط رهانات كثيرة مثل فلوريدا وبنسلفانيا.

أثبتت سياسة ترامب أن لها شعبية كبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالخصوص على الناحية الاقتصادية، فقد كان يفاخر بأنه حقق نسبة نمو هائلة للاقتصاد الأمريكي وبالخصوص قبل ضربة فيروس كورونا وهو كذلك بالفعل.

بايدن كذلك الذي كان يصفه ترامب بـ"جو" النعسان، وكان البعض يرى قبل عام واحد من الآن أن ترشحه أمام ترامب يعني فقدان الديمقراطيين للجولة الرئاسية لكنه أصر على الترشح وقال إنه سيهزم ترامب، وينهي هذه الحقبة وكان هذا هو العهد الذي اكتسب به أصوات الديمقراطيين، قبل ترجيح كفته للتقدم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بايدن أثبت أن له رؤية مختلفة وأن أكثر من 73 مليون أمريكي يؤيدونها حتى اللحظة.

نعود إلى ما يهمنا من متابعة حلبة الانتخابات الأمريكية التي أقضت ولا تزال مضاجع العالم كله منذ أربعة أيام لم يرى العالم فيها النوم، ويصحوا ويستيقظ ليرى آخر أخبار الولايات والفرز ومدى تقدم ترامب وكيف يتغلب عليه بايدن.

 ما يهمنا هنا هو حالة الديمقراطية، والإقبال الجماهيري الكاسح من جانب كل فئات المجتمع الأمريكي للمشاركة في الانتخابات، وهى حالة العالم كله يحسد الأمريكان عليها وهى كذلك بالفعل وليس دول العالم الثالث فقط.

يهمنا أن نرى حالة قلق عربية كبيرة واسعة من فوز جو بايدن، باعتباره يمثل الحزب الديمقراطي ذا التاريخ الأسود القريب، وقت أوباما وفوضى الربيع منذ عام 2011. وكبار المحللين الأمريكان قالوا له صراحة إذا كنت ستحكم في حال فوزك بطريقة أوباما أو لاسترجاع إرث أوباما في مجال الديمقراطيات وحقوق الانسان وخلافه، فقد فشل حكمك لأن العالم تغير كثيرا خلال الأربع سنوات الماضية. كما أنه اذا كنت ستحكم بطريقة السير بممحاة "استيكة" على كل ما فعله ترامب، فقد فشل حكمك لأن ترامب اتخذ سياسات أصبح من الصعب فعليا التراجع عنها في لحظة مثلما فعل مع الصين والاتحاد الأوروبي وكوريا الشمالية وفعل مع إيران . فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن "يفرم" بايدن كل ما اتخذه ترامب من سياسات ليعيد سياسات أوباما.

لا بد لبايدن أن يخلق سياسات مختلفة داخل أمريكا وخارجها، صحيح أنه سيعمل على تجاهل "حقبة ترامب" تماما وربما لن يعيره اهتمام بعد الحسم له ولن يسترجع عهده كثيرا، عكس ما كان يفعله ترامب، الذي كان يسترجع إرث أوباما مع كل نجاح أو سياسة مختلفة يحققها، وبالخصوص الاتفاق النووي الشهير الذي انسحب منه في عام 2018 مع إيران، لكن ترامب لن يخرج بسهولة من "مضمار السياسة الأمريكية" وهناك كلام جدي لترشحه في حال خسارته الانتخابات الجارية في انتخابات 2024 وهو يجوز وفق الدستور الأمريكي، الذي لا يمنع تولي فترتين رئاسيتين فقط، وان لم تكن متعاقبتين، المهم ألا يزيد عن 8 سنوات وفق الدستور الأمريكي عام 1947.

لا نطلب من جو بايدن في حال استطاعت الساعات القادمة، حسم فوزه، مناصرة القضايا العربية فهذا لن يحدث قولا واحدا ولكن ألا يتدخل بشكل مؤذي في السياسات العربية الناجحة، لكن في "المستنقعات العربية" التي تئن من الحروب الأهلية، فليته يكون لبايدن "مستشار من أصول عربية" يفهم ما يدور في المنطقة من تيارات، وكيف ينظر أهلها وليس كما ينظر الإخوان والسلفيين لما يحدث في مناطق الحرب الأهلية العربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وكلها بلاد سقطت من الحسابات.

وبعد ليس هناك سوى انتظار اليوم وغدا لمعرفة الحسم في الانتخابات الأمريكية، وساعتها سيكون لنا مع ساكن البيت الأبيض سواء ترامب أو بايدن حديثا شاملا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط