الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انفجار تيجراي يفتت وحدة إثيوبيا.. كيف سيتجاوز آبي أحمد المأزق الأصعب منذ توليه السلطة؟.. عدوى الحرب قد تنتقل إلى أقاليم أخرى.. ومخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية

الجيش الإثيوبي
الجيش الإثيوبي

فاينانشال تايمز: الحرب مع تيجراي أكبر وتشكل "عقدة" يواجهها آبي أحمد
الصراع مع تيجراي يهدد فرص إجراء انتخابات ديمقراطية العام المقبل
المعارضة الإثيوبية تحمّل آبي أحمد مسئولية انفجار الأوضاع في تيجراي
أكثر من 25 ألف لاجئ فروا من تيجراي إلى السودان

بينما يجهز جاشوا كويي ذو الاثنين والأربعين عامًا نفسه ومعداته للالتحاق بقوات الجيش الإثيوبي المكلفة باجتياح إقليم تيجراي شمالي البلاد، يحاول التشاغل بأي شيء للهرب من السؤال الذي يطارده بإلحاح: ماذا لو لقي ابنه في ميدان المعركة؟

وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، ينحدر جاشوا كويي من إقليم أمهرة، موطن القومية التي تحمل الاسم ذاته، وقبل أكثر من 20 عامًا التقى في إقليم تيجراي بالفتاة التي ستصبح فيما بعد زوجته وأم ابنه أمانويل، المقاتل في صفوف جبهة تحرير شعب تيجراي.

يمكن اعتبار المواجهة المرتقبة بين جاشوا كويي وابنه أمانويل ترجمة للحرب الأهلية المصغرة طويلة الأمد بين إقليمي أمهرة وتيجراي على حدودهما المشتركة، وجزءًا من صراع أكبر بين القوميات الإثيوبية وبعضها، آخر فصوله حاليًا الصراع الدائر بين الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي الحاكمة لإقليم تيجراي (والتي حكمت إثيوبيا كلها لثلاثة عقود قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة)، والتي أجرت الانتخابات البرلمانية في الإقليم بالمخالفة لقرار الحكومة الفيدرالية تأجيل الانتخابات لمكافحة وباء كورونا.

يقول جاشوا كويي بينما يربت على مدفعه الآلي من طراز كلاشنيكوف "أنا ذاهب لقتال إرهابيي جبهة تحرير شعب تيجراي من أجل إثيوبيا. هذا يعني أنني قد أتقاتل مع ابني. هذا هو ما صارته إثيوبيا. فوضى سياسية عارمة يتقاتل فيها الآباء والأبناء".

وفي ساعة مبكرة من صباح الرابع من نوفمبر الحالي، أعلن آبي أحمد إطلاق عملية عسكرية "لفرض القانون" في إقليم تيجراي، بعدما هوجمت قيادة المنطقة الشمالية لقوات الدفاع الإثيوبية (الجيش الإثيوبي) في ميكيلي عاصمة إقليم تيجراي، من جانب مسلحي جبهة تحرير شعب تيجراي.

وتبادل الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير شعب تيجراي قصفًا صاروخيًا عنيفًا على مواقعهما، وشاركت القوات الجوية الإثيوبية في توجيه ضربات لمواقع الجبهة، بينما شاركت قوات برية من الجيش الإثيوبي وميليشيات مسلحة موالية للحكومة الفيدرالية وقوات خاصة في هجوم بري نجح في احتلال أجزاء من غرب إقليم تيجراي.

وسرعان ما اتسع نطاق المواجهات، وقصفت جبهة تحرير شعب تيجراي العاصمة الإريترية أسمرة بالصواريخ، بعدما اتهمت الحكومة الإريترية بدعم آبي أحمد في حربه على الإقليم، كما قصفت الجبهة بالصواريخ أيضًا مدينة بحر دار عاصمة إقليم أمهرة الإثيوبي وبلدة جوندار.

 وأضافت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الحرب مع إقليم تيجراي هي أكبر وأعقد أزمة تواجه آبي أحمد منذ صعوده إلى السلطة قبل عامين ونصف، والأزمة التي تهدد بوأد أي فرصة لإجراء انتخابات ديمقراطية العام المقبل كما هو منتظر، وهي الفرصة المهددة أصلًا نتيجة حملة قمع ضد معارضي آبي أحمد مستمرة منذ أشهر.

ويخشى مراقبون أن تنتقل عدوى الحرب إلى أقاليم إثيوبية أخرى لتكون شرارة تفكك البلاد إلى دويلات مستقلة متقاتلة على خطوط قومية وإثنية، فضلًا عن المخاوف المتعلقة بتفاقم الأوضاع الإنسانية في إقليم تيجراي، الذي شهد في غضون أسبوعين فقط نزوح أكثر من 25 ألف لاجئ إلى السودان.

ويخشى الكثيرون أيضًا أن تطلق الحرب في تيجراي شرارة أعمال عنف متفرقة بين القوميات الإثيوبية وبعضها، واتهم آبي أحمد جبهة تحرير شعب تيجراي بالمسئولية عن هجوم وقع الأسبوع الماضي وذُبح فيه المئات من غير أبناء قومية تيجراي في عاصمة الإقليم ماي كادرا، فيما تنكر الجبهة مسئوليتها عن الهجوم.

وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية الأحد الماضي أن هجومًا على حافلة في إقليم بني شنقول غربي البلاد قُتل فيه 34 شخصًا على الأقل.

وبالنسبة للمعاضة الإثيوبية، يتحمل آبي أحمد المسئولية عن موجة العنف التي تعصف الآن بالبلاد، نتيجة مسعاه لممارسة سلطة مركزية أكبر من تلك المقررة له بموجب دستور فيدرالي يعترف بقدر من الاستقلال النسبي للأقاليم.

وقالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إن الشعب الإثيوبي استبشر خيرًا بصعود آبي أحمد إلى السلطة، وراهن على قدرته على نزع فتيل الصراعات الأهلية الممتدة في طول البلاد وعرضها، ونقلت الصحيفة عن الخبير بالشأن الإثيوبي رشيد عبدي قوله "جاء آبي أحمد إلى السلطة محملًا بمهمة تسوية الصراعات الإثنية-القومية، لكنه خلق من المشاكل أكثر مما استلمه، ويجاهد الآن يائسًا لاحتوائها".

وأضافت الصحيفة أن آبي أحمد، بإعلانه الحرب على إقليم تيجراي الحاضن للجماعة الإثنية التي حكمت إثيوبيا لمايقرب من 3 عقود قبل وصوله إلى السلطة، قد خلق عداوة مع إقليم لديه لغته وثقافته وتاريخه المستقلين، مانحًا دفعة مجانية لدعوات انفصالية كان يجدر به تفويت الفرصة عليها لا إعطائها قبلة الحياة.

وتابعت الصحيفة أن خطاب آبي أحمد الممجد للسلام والتنوع كان له وقع حسن على الآذان الغربية، وبالنسبة للإثيوبيين كان مسوغًا كافيًا لرفع آبي أحمد إلى قمة السلطة، على أنه سرعان ما كشف عن نوع السلطة التي ينوي ممارستها والتي يجدر بلجنة نوبل للسلام إعادة النظر فيها.

واختمت الصحيفة بالقول إن آبي أحمد بات يتصرف كما لو كان يحتكر الحقيقة المطلقة، وأيا كانت ما ستسفر عنه الحرب على إقليم تيجراي فالنتيجة المؤكدة هي أن سمعة صانع السلام قد تحطمت إلى الأبد، وبالنسبة للجنة جائزة نوبل فعليها أن تعي الدرس جيدًا هذه المرة: الانتظار أفضل.