الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سفاح الجيزة موديل 2020


يبدو أن سنة ٢٠٢٠ تأبى أن تنتهي بما فيها من مفاجآت وكوارث وآخر مفاجآتها قبل أسبوع  كانت قوية وغريبة جدا ومثيرة تلك التى كشفت عنها الأجهزة الأمنية منذ أيام عن سفاح الجيزة، تزوج 4 سيدات بأسماء غير حقيقية وأنجب أطفالا نسبوا لآباء لا يعرفون عنهم شيئا.. ودفن 4 جثث فى فناء منزله.. وما خفى كان أعظم!

فسفاح الجيزة أو الموديل المتطور من "ريا وسكينة"، فرض علينا الاحتفال بمرور 100 سنة على الحادثة المعروفة في تاريخ حي الرمل بالإسكندرية والتى تحولت لفيلم سينمائي ومسرحية من علامات المسرح المصرى قدمها القدير عبد المنعم مدبولى والقديرة سهير البابلى والرائعة شادية، لكن يبدو أن تحويل الجريمة إلى إبداع وحده لا يكفى لعلاج أوجاع اجتماعية مستحكمة تحتاج لعلاج من الجذور، وأن زمن الغرائب والعجائب لم يول والبشر الذين يتحركون بقلوب من حديد فى الشوارع والأسواق، الذين ماتت ضمائرهم وماتت معها مشاعر الود والرحمة والإنسانية تجاه جيرانهم وأشقائهم وأولادهم وزوجاتهم.. لم ولن ينقرضوا!

فكما تحكي قصة الشقيقتين "ريا وسكينة علي همام" التى وقعت أحداثها عام  1920 في حيّ اللبان وهو أحد أفقر الأحياء في الإسكندرية، حين كونا عصابة بمساعدة زوجيهما ومساعدين آخرين، باختطاف وقتل 17 امرأة ودفنهن في منزلهن، بعد الاستيلاء على أموالهن ومجوهراتهن بسبب الحياة العشوائية فى الأحياء الشعبية الفقيرة التي تشهد إقبالًا كثيفا مثل سوق "زنقة الستات" الواقع بالقرب من ميدان المنشية، والذي شهد عددًا من جرائم هذه العصابة، مستغلين حالات الفوضى والانتفاضات الشعبية والمظاهرات التي كانت تندلع فى الإسكندرية والقاهرة للمطالبة بالاستقلال وجلاء المستعمر!

وبنفس الأسلوب الذى اتبعته وعلى نفس الدرب سار سفاح الجيزة، ولكن بموديل 2020.. فى البداية كون عصابة للإيقاع بالنساء بعد الحديث إليهن ثم كسب ثقتهن في الأحياء الفقيرة والعشوائية تزوج أكثر من واحدة واستولى على أموالها ثم استدار على صديقه الذى يعمل فى السعودية وابتزه ونصب عليه بحجة عمل شركة عقارات، وحين وصلت المبالغ إلى أكثر من مليون جنيه وحين عاد صديقه ليبدأ حلم الاستثمار فى بلده أقام السفاح له وليمة ضخمة فى منزله ووضع له السم فى الطعام ودفن جثته فى نفس المكان، وبعد 4 شهور من قتل زوجته التى هددته بإبلاغ الشرطة واستولى منها على 350 ألف جنيه بنفس السم في الطعام، كما اعترف بقتل عاملة بمكتبة خاصة به بالجيزة، وأخرى بمحل أدوات كهربائية عقب سفره إلى الإسكندرية.. وكانت النهاية المعروفة بعد ذلك، والضحية زوجات وأبناء وضحايا بالعشرات، ولازالت المفاجآت تتوالى!

لكن الذي لفت انتباهي أن حكاية سفاح الجيزة بدأت عام 2002 كنتاج للمجتمعات العشوائية فى أحياء بولاق الدكرور، وزواجه أكثر من سيدة وتخلصه منهن وآخرهن "فاطمة منذ عامين مستغلا حالة الفقر والعوز، كان يعمل في توظيف الأموال بالمكتبات والعقارات بالجيزة، وعقب اندلاع فوضى يناير2011، وغياب الشرطة استطاع أن يحصل على أموال كثيرة بالنصب والاحتيال، وتحت ستار إبداء الرغبة فى الزواج وفى كل مرة يبدو أنيقا عصريا، يحمل في إحدى يديه باقة من الورود وفي الأخرى علبة شوكولاتة فاخرة وأهلا بك يا ابنى وتأتى الخطيبة فى فستان الفرح ولا تدرى أنها تبدأ طريقا ينتهى بها إلى الضياع وغالبا القتل!

أما الآن فمن حسن الحظ أن الأمن عاد بقوة وانتشرت كاميرات المراقبة فى الشوارع كما أن دولتنا أولت اهتماما كبيرا بالقضاء على العشوائيات وتحسين أحوال ساكنيها وتوفير برامج الحماية الاجتماعية والإنسانية وتحولت العشوائيات فى الإسكندرية والقاهرة الجيزة وبولاق وساقية مكى وشق التعبان والدويقة إلى مراكز إشعاع حضاري وامتدت يد الدولة بمختلف مؤسساتها لرعاية الأسر وتوفير العمل الشريف للغارمات ودعم الأسر الأولى بالرعاية.

ورغم وقوع السفاح في قبضة رجال الشرطة لكن القضية لن تنتهى بل بدأ عملا من نوع آخر أبطاله العلماء والخبراء فى التربية وعلم النفس والاجتماع ليدرسوا كيف عاش وكيف انتشر وكيف تحول إلى ظاهرة أفرزتها ظروف العشوائية والفقر والإهمال؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط